ذهب النحويون إلى أن فاعل (نعم) إما اسم ظاهر معرف بـ(أل) تعريفًا دالاً على الجنس، كما في قولك: (نعم الرجلُ زيد)، وإما ضمير مستتر مميز بنكرة، كما في قولك: نعم رجلاً زيد. وليس يشكل النمط الأول الذي ظهر الفاعل فيه، فقد أسند الفعل إلى اسم الجنس، ليكون المدح للجنس عامة ثم يخص به فرد هو زيد، والهدف بيان جهة المدح وهي الرجولية. وأما النمط الثاني فهو مشكل لأن الفاعل ضمير لا مرجع له فهو إضمار لم يُسبق بإظهار، والضمير ليس يدل على الجنس دلالة ما اتصلت به (أل الجنسية)، ورأى النحويون الإضمار هنا جائز فهو من قبيل الإضمار على شريطة التفسير، بمعنى أن التمييز المذكور أغنى عن الإظهار. والقول بمجيء الفاعل ضميراً مستتراً قد يتوقف فيه لأمرين، الأول أن التمييز الذي يصاحب الضمير قد يأتي مع الظاهر أيضاً، والآخر أن الضمير مصنف عند النحويين في المعارف لأنه يعين معهوداً.
وأما تمييز الفاعل الظاهر فجاء في قول الشاعر:
نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت
ردَّ التحية نطقًا أو بإيماء
واختلف النحويون في تمييز الفاعل الظاهر بين مجيز ومانع، فمنعه سيبويه، وأجازه المبرد وابن السراج، والفارسي (ابن يعيش، 7: 133)، قال ابن عقيل (3: 165): (وفصَّل بعضهم، فقال: إن أفاد التمييزُ فائدةً على الفاعل جازَ الجمعُ بينهما، نحو: (نعم الرجلُ فارساً زيدٌ) وإلا فلا، نحو: (نعم الرجلُ رجلاً زيدٌ)، فإن كان الفاعل مضمراً جاز الجمع بينه وبين التمييز؛ اتفاقًا، نحو: (نعم رجلاً زيدٌ).
والذي أراه حلاًّ للخروج من الإشكالين هو القول إن الفاعل ظاهر في كل أحواله، ولكنه قد يذكر كما في قولك: نعم الرجل فارساً زيد، وقد يحذف كما في قولك: نعم فارساً زيد، ويكثر حذف هذا الفاعل إن كان لفظه مطابقاً لفظ التمييز، كما في (نعم الفتاةُ فتاةً هند)، فيمكن الحذف (نعم فتاةً هند). وقد يقال إن الفاعل عمدة وجزء من الفعل فكيف يحذف، والجواب أن التمييز أغنى عنه فساغ حذفه.
وقد يقال ما الفائدة من مخالفة النحويين في مذاهبهم مع أنهم مختلفون، فالجواب هو طلب الاختصار، فمن السهل ترتيب المسألة على النحو التالي: تأتي جملة المدح (نعم الرجل رجلاً زيد) فنعم لها (فاعل وتمييز للفاعل ومخصوص بالمدح)، ثم إنّ هذه الجملة قد يحذف منها التمييز استغناء بالفاعل، فيقال (نعم الرجل زيد)، وقد يحذف الفاعل استغناء بالتمييز، فيقال: (نعم رجلاً زيد).
ونكون بهذا وحدنا شكل الفاعل، فبعد أن كان ظاهراً مرة وضميراً مرة أخرى صار ظاهراً فقط؛ غير أنه قد يذكر وقد يحذف. ونكون بهذا خرجنا من حرج وجود ضمير فاعل لنعم والضمائر معرفة تعريف عهد لا يلائم ما تقتضيه نعم من كون فاعلها دالاً على الجنس. وبقي أن نقول إن إعراب (زيد) مبتدأ مؤخراً وجملة (نعم الرجل) خبره أولى من عدّ خبره محذوفاً أو عده خبراً لمبتدأ محذوف، لأن هذا الممدوح جائز الحذف، كما في قوله تعالى: {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} (الذاريات:48)، أي فنعم الماهدون نحن. فحذف المبتدأ وحده أولى من حذف المبتدأ والخبر معاً.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244