الكاتبة حنان بنت عبدالعزيز آل سيف، في عرضها لهذا الكتاب تغلو في وصفه ومدحه والإشادة به بأسلوب المقامات المسجوعة، فتقول: (بين يدي كتاب نفيس... من إبداع الأديب الأريب محمد بن عبدالله المشوح- وتضيف- والكتاب مُبين، وأسلوبه متين، وفيه استقصاء عجيب، واستيفاء غريب، فلله در مؤلفه، وكاتبه، وناسجه، وهو يحكي لنا من بديع القول، وجميل الكلم..... وقد وفى المؤلف -سلمه الله- وأوفى ولم يترك مزيداً لمستزيد وقد أبدع في سياق معلومات كتابه التي تتسم بالشمول والإحاطة والصحة والدقة، فغدا هذا الكتاب قدوة صالحة، يتأسى به كل من أراد أن يكتب في فن التراجم...)! بمثل هذا المدح المفرط نمقت السيف خطبتها المدائحية.
بعد المقدمة تجيء مقدمة الكاتب لكتابه، وهي مقدمة ليس فيها ما يوجب التنويه، إلا حين طلب من قرائه أن يغضوا الطرف عن أي سهو أو خطأ قد وقع فيه، تحت مبرر أن حبنا للمتحدث عنه يغفر سهوه وأخطاءه - أي أخطاء المؤلف - وهي دعوة مضمرة لعدم النقد، ولو جاريناه فيها لأمسكنا عن نقد كل ما ألف في العقيدة لحبنا للخالق عز وجل، ولأمسكنا عن نقد كتب السيرة لحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لو قدر لعلماء الحديث أن يتأثروا بمنطقه هذا لما عُرف علم الجرح والتعديل، لأن حبهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- سيردهم عن نقد كل ما روي عنه، وبالتالي فلن يكون هنالك حديث ضعيف ولا موضوع، وقل مثل ذلك في حق اللغة والوطن، وفي حق كل مقدس ومحترم في ثقافتنا وما أكثرها! وفي خاتمة ذلك يعود المشوح إلى قرائه راجيا أن يمدوه بتصويباتهم وتصحيحاتهم وآرائهم، وهو ما أحاوله الآن، راجياً أن أوفق إلى تحقيق رجائه، ولكن بطريقتي لا بطريقته، وعليه فحبي للمتحدث عنه لن يغل يدي عن نقد كاتب سيرته، ولن يحول دون البوح بمشاعري نحوها، وما أحاوله هنا هو المعنى الظاهر لظاهر عبارته.
أما وقد آثرنا النشر لا الطي والبيان لا الكتمان فيجدر بنا أن نذكر أن كتاب (عميد الرحالين) مكون من سبعة فصول، كل فصل منها يتكون من عدة مباحث، عدا الفصل الخامس المكون من مبحثين فقط، يلي ذلك ملحق للصور والوثائق والمراجع، ومن ثم الفهرس وبه خاتمة الكتاب.
في المبحث الأول من الفصل الأول يتحدث الكاتب عن (القصيم) بلد المترجم له، ومن ثم عن (بريدة) مسقط رأسه، فيطيل الحديث عنها وعن (بريدة) خاصة، وعن أصل تسميتها، فيستعرض أقوال المثبتين، وتفنيدات المعارضين، ومدح المادحين، وغزل المتغزلين بها شعراً ونثراً، ويستفيض في هذا كما لو كان الحديث عن المدينة لا عن أحد أعلامها، وهو في كل ذلك نقال وحسب، دون أن يكون له رأي في إيراداته، أو صلة لها بما يورده عن المترجم له، أو طائل فيما أطال فيه، ولو أوجز لحقق مقصوده، وبلغ غايته، ولكنه آثر الإطالة فلم يفعل.
في المبحث الثاني من الفصل الأول تحدث عن: (المساجد وحلق العلم في بريدة) وكان المنتظر أن يتحدث عنها في سياق حديثه عن صلة المترجم بها، ونهله من معينها، وإفادته منها، ومدى انعكاسها على تعليمه وثقافته ومعرفته، إلا إن زمام القول أفلت من يديه، فشرق وغرب فتحدث عن تاريخ الحركة العلمية في (بريدة)، وعن بعض علمائها الأوائل، وموقف أهلها من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن ثم ذكر علماء آل سليم وغيرهم، دون أن يورد أية صلة لمن ذكرهم بالمترجم له، ولا أدري ما قيمة حشره لهذا الكم من المعلومات في ظل تحييده للشيخ العبودي، الذي عزله تماما عن كل ما ذكره عن العلم والعلماء في (بريدة)، والأولى أن يورد ما عاصره العبودي وأثره فيه وتأثره به، لا ما سبقه مما ظهر في هذا المبحث مبتور الصلة بالعبودي، وكأن لا علاقة له بذلك كله، خاصة صلته بمشايخه من آل سليم، التي أرجئ الكلام عنها إلى حديثه عن مشايخه، مما أفقد الكتاب وحدته الموضوعية، وجعله ضعيفاً مهلهلاً ينقض بعضه بعضا، وهو ما حاول تداركه في فصل لاحق، إلا إن استدراكه كان تطويلاً لم يسد الخلل وإن رتقه بعض الشيء.
في المبحث الثالث من هذا الفصل يعاود المشوح الكرة للحديث عن: (الأدب في بريدة) وجل حديثه في هذا المبحث جار بتقنية القص واللزق، التي طالت معظم نصوص الكتاب، بما في ذلك حواشيه التي لم تسلم هي الأخرى من النقل عن الآخرين، ومما يؤكد تمترس الكتاب بهذه اللعبة الحاسوبية المسلية، وصفه لبعض مثقفي (بريدة) وخلطه فيما بينهم، دون أن يتنبه أو يُنبه إلى ذلك، مما يعني أنه لم يكن واعياً بمعلوماتية كتابه ونبضه المعرفي، وهو ما يُرى بوضوح في حديثه عن سليمان بن صالح الدخيل، ووصفه لجهوده الصحافية في ثلاثة سطور موجزة.
ومن ثم شروعه في حديث جديد عن الشيخ فوزان السابق، ورحلاته، وتجارته، وصلته بالملك عبدالعزيز، ثم ذكره لفوزان السابق بوصفه: من أسس جريدة الرياض الأم سنة 1910م، ومن ثم إصداره جريدة الحياة بمشاركة أحمد العمر، ثم إصداره جريدة جزيرة العرب، وله -أي لفوزان السابق بحسب المشوح- إسهامات أدبية، وبحوث تاريخية، صارت فيما بعد محل عناية وتحقيق عدد من الدارسين. انتهى!
والعارفون بتاريخ فوزان السابق يعلمون جيدا أنه لم يُصدر أياً من تلك الصحف، لا الرياض، ولا الحياة، ولا جزيرة العرب، ويعلمون أيضاً أنه لم يكن له شريك اسمه أحمد العمر، كما يعلمون أنه لم تكن له إسهامات أدبية، ولا بحوث تاريخية، كما زعم المشوح واهماً، والمعني بإصدار تلك الصحف: سليمان الدخيل، الذي سُلِبَها إثر عملية قص ولزق طائشة!
ومن اللافت في هذه النسبة الخاطئة أن النص المنسوب إلى غير صاحبه؛ قد عزاه المشوح إلى أحد مراجعه، ومن شأن هذه النسبة أن تنبه إلى الخلط الواقع بين الرجلين، وأن تذكر بالمعلومات المغلوطة لتصويبها، إلا إن هذا لم يحدث.
ورغم ولوغ تلك الأخطاء في هذا المبحث إلا أن شخصية الكاتب بدت أكثر وضوحا من المبحث السابق، وصلة المترجم له بما كتب عنه هنا بدت أكثر التصاقا بشخصيته مما سبق، باستثناء حديثه عن الدخيل والسابق وما وقع بينهما من خلط والتباس، وكذا حديثه عن الشعر النبطي وشعرائه، الذي لم يسلم هو الآخر من حشو وتطويل لا طائل وراءهما.
في الفصل الثاني خمسة مباحث: عن نسب المترجم له، ومولده، وأسرته، وتعلمه في الكتاتيب، وتتلمذه لشيوخه، ودرسه مع زملائه، ومن ثم صفاته، ويبدو أن هذا الفصل قد خلص للكاتب بعض الشيء بانحسار رقعة النقل عنه، وإن لم يتلاش أثرها بالكلية، والفضل في هذا يعود إلى المترجم الذي زود الكاتب بكل ما يحتاجه عن سيرته، ومن هنا ألفيناه في حديثه عن (العبودي في الكتاتيب) قد آثر الحياد وعدم الانحياز، على أن يكون له أي دور يذكر سوى التلخيص والمزاوجة بين فقر الكلام، فبرزت شخصيته كضيف شرف ليس إلا، فيما تولى العبودي الحديث عن نفسه مباشرة بضمير المتكلم.
في الفصل الثالث ستة مباحث، تتحدث عن العبودي والوظيفة، والعبودي معلماً ومديراً، والعبودي والمعهد العلمي، والعبودي والجامعة الإسلامية، والعبودي والأمانة العامة للدعوة الإسلامية، والعبودي ورابطة العالم الإسلامي، وفي هذا الفصل يعاود الكاتب رحلته المسلية مع القص واللزق، والاغتراف المجاني من مؤلفات العبودي بغير حساب، إلا ما دعت الحاجة إلى التقديم له، أو تلخيصه، أو إخراجه من ضمير إلى ضمير، أو من صيغة إلى صيغة، وعلى سبيل المثال نجده في حديثه عن (العبودي قيم مكتبة بريدة) يستفتح هذا المبحث بأسلوب وصفي عام، يصف فيه العبودي بضمير الغائب، ثم لا يلبث أن يسلم قياد الكلام إليه، ليتحدث العبودي عن نفسه بضمير المتكلم، في سبع صفحات كاملة، من ص85 إلى ص91!.
وفي مبحث: (العبودي والمعهد العلمي) يفعل الشيء ذاته، حيث يفسح للعبودي ليتحدث عن نفسه بذات الضمير، في خمس صفحات كاملة، ليس له منها إلا الربط بين فقرها، والتقديم لكل نقل بكلمة أو كلمتين، كقوله: ثم يسرد الشيخ العبودي، أو قال الشيخ.. وهكذا يجول في حقول العبودي متنزها من روض إلى روض، ومن حقل إلى حقل لينتقي ويقطف ما يشاء، فإذا فرغ من شأنه هذا أفرغ جعبته، وأعمل قلمه فيها، ووضع النصوص التي يريدها في المكان الذي يريد.
وليس حديثه عن (العبودي والجامعة الإسلامية) بأحسن حالاً مما كتب في المبحثين السابقين، حيث اكتفى بالتقديم للجامعة الإسلامية في سبعة سطور، ثم تنحى جانباً، ليترك للعبودي الحديث عن نفسه في الجامعة الإسلامية، ولقلمه أن يمارس لعبته الممتعة في القص واللزق، وقد استأثرت نقوله بأربع صفحات من ذلك الفصل، هي في الحقيقة مجموع صفحات المبحث كله! أما حديثه عن (العبودي ورابطة العالم الإسلامي) فيبدو أنه من تنفيسات العبودي للكاتب، لأن عبارته رصينة جزلة، وهي أليق بأسلوب المُنَفِس منها بأسلوب المُنَفَس له، المتسم بالضعف والركاكة والاضطراب، ومما يرجح ذلك أنه أحال مرتين في هذا المبحث القصير إلى كتاب العبودي: (العالم الإسلامي والرابطة)، وفي أثناء ذلك عاد وسلخ منه ما يزيد على نصف صفحة، تطوع العبودي فيها كالعادة بالحديث المباشر عن نفسه.
في الفصل الرابع يتحدث المشوح عن العبودي بوصفه (عميد الرحالين) وهو عميد بحق، وتجربته فريدة ونادرة، وقل نظيرها في أدبنا العربي، إلا إن الكاتب في هذا الفصل كما في فصول أخرى، يفسح للمترجم ليتحدث عن نفسه طويلاً، فيما هو قار في خانة المشاهدة، وقلما تبرز شخصيته برأي أو نقد أو تفنيد، وما اعتاده من قص ولزق في فصول ماضية كان حاضراً في هذا الفصل كما في صفحتي: (120، 121)، وفيهما يتحدث العبودي عن نفسه كما تحدث من قبل. أما المبحث الثاني من هذا الفصل الممتد من ص123 إلى ص146 فهو وصف موجز لبعض رحلات العبودي المطبوعة، وما ذكره الكاتب منها (68) رحلة فقط، ثم سرد أسماءها من غير وصف، مع تبيان المطبوع منها وغير المطبوع، ومجموعها (116) رحلة جلها مطبوعة، وفي الصفحات التالية وصف كتبه الأخرى المؤلفة في موضوعات أخرى غير الرحلات، وبعضها مطبوع وكثير منها لم تطبع بعد.
ومن ثم يجيء المبحث الثالث من الفصل الرابع، الموسوم بـ: (العبودي في عيون الباحثين)، وهو مبحث طويل ممتد من ص155 إلى ص210، وقد تضمن بحوثا ومقالات دبجها كتابها في الشيخ العبودي، وهي وإن عزيت إليهم إلا أن الكاتب سلخها من مظانها سلخا، ثم أودعها كتابه كما لو كان كاتبها، بعد أن قزم بنيتها النصية تحت مسمى مبحث، حتى لا يُستعظم حجم اقتباسه المهول لها، الذي احتل 55 ص من صفحات الكتاب البالغة 494ص، وليس له من اقتباساته شيء يذكر، إلا التعليق ببعض الحواشي، التي أرجو أن تكون هي الأخرى خالصة له، وليست لغيره كما متونها!.
بعد هذا المبحث يطالعنا المشوح بالمبحثين الرابع والخامس، وهما في الأصل مبحث واحد، حيث إن أولهما تقدمة لآخرهما، إلا إن الكاتب آثر فصلهما، ولا أدري لم فعل ذلك وهما متتاليان متكاملان ؟! ففي الأول منهما يتحدث عن فكرة استضافته للشيخ العبودي في برنامج إذاعي كان يقدمه عبر إذاعة القرآن الكريم، وفي الثاني منهما نص الحوار الممتد من ص 215 إلى ص 258 أي في (43) صفحة، ومتنه الذي ستقرؤه مجتمعاً في ذلك الحوار، هو ذات ما يقرأ منجماً في الفصول الماضية من الكتاب، وإعادة نشره ثانية بعد أن فرغت مضامينه في مظانها تكرار وتطويل لا داعي لهما.
في الفصل الخامس مبحثان يتحدثان عن شخصية: العبودي الجغرافية، وحديث الكاتب في هذا الفصل، يجئ على لسان العبودي تارة؛ وعلى لسان الشيخ حمد الجاسر تارة أخرى، وهما يتحدثان عن نفسيهما، وهو يقدم لهذا ويردف لذاك، إلا إنه في هذا الفصل حاول أن يُكون له رأي فيما تصدى للحديث عنه، بخلاف الكثير من فصوله السابقة التي استأثرت بنقوله دون كلامه.