بدءاً، شكراً وتقديراً لـ(المجلة الثقافية) لتشريفي بالدعوة، ضمن كوكبة من سدنة الحرف الجميل للحديث عن (شاعر الإحساس) الكبير الشيخ محمد الفهد العيسى، أمد الله في عمره، زمناً وإبداعاً!
والحق أنني سعدتُ بهذه الدعوة بالقدر الذي شقيتُ بها في آن.
أما السعادة فقد ألمحت إلى سببها ضمناً في السطور الأولى من هذه المداخلة، فمَن منّا - عشاقَ الحرف الجميل - مَن لا يُسعده الحديث عن قامة شعرية مبدعة ممثلةً في ضيف هذا اللقاء.
وأما الشقاء بالدعوة فهو لأنني لا أحمل هوية الشعر ولا أنتمي إلى نقّاده، ولن أطمع أو أطمح في يوم من الأيام أن أشغل موطئَ قدم في وطن الشعر بعد محاولة فاشلة للتسلل إلى ذلك الوطن ذات يوم في ذات مكان وفي ذات مناسبة خارج المملكة، لكن تلك المحاولة المستترة بالخفر والحياء لم تغب عن فطنة وذكاء الصديق والشاعر الكبير الدكتور غازي القصيبي الذي حضر المناسبة، بعد أن اختلس النظر إلى محاولتي الشعرية العاثرة، لينصحني في النهاية أن أحمل أمتعتي وأرحل عن ذلك الكيان، وحجته أنني لا أملك مؤهلات (المواطنة الشعرية) في وطن الشعر، وقد خرجت من ذلك الموقع السحري كما دخلت، متسللاً أحمل (تذكرة) ذهاب بلا عودة تشيّعني نظرات صديقي الأثير الدكتور القصيبي وكأنه يقول لي من خلالها، (لا تعد إلى هذا المكان أبداً)! وبقيت منذ ذلك الزمن الغابر (متذوقاً) أتابع إبداع الشعراء وأتذوق عطاءهم، لكنني لا أتبعهم ولا أحاكيهم، خشية أن يزأر في وجهي من جديد عملاق الشعر الدكتور القصيبي كما فعل من قبل!.
اليوم.. أعود إلى (وطن الشعر) متدثّراً بعباءة (المجلة الثقافية) لا لأتحدث عنه، ولكن لأطرح رؤية شخصية متواضعة عن شاعر عرفناه وعُرف به ديوان الحماسة الوجدانية والوطنية قبل أن ندرك نحن - معظمَ متابعيه والمعجبين به - مرحلة (الفطام) من المدرسة!
نعم.. كنتُ في مقتبل العمر طالباً مجتهداً في المرحلتين المتوسطة والثانوية يوم كان شاعرنا الكبير محمد الفهد العيسى يملأ الأسماع بوحاً وتغريداً بأجمل الأبيات وأعذبها تتحدث عن أدق التقاسيم العاطفية في الوجدان الإنساني، وبعضها كان أشبه ببراكين من التمرد السياسي على مظاهر الظلم في فلسطين وما أدراك ما فلسطين.. إضافة إلى عربدة الاستعمار في الجزائر وفي سواها، وطموح الإنسان العربي في الانتقال من حال إلى حال!
وإن أعجب من شيء فهو أنَّ وجدان شيخنا وشاعرنا الكبير محمد الفهد العيسى ما برح يتمرّد شعراً على سنين عمره المديد، ويأبى أن يُطَاطئ هامةَ الشعر لسَطْوةِ الشيب، فيسمعك الآن جديد شعره وقديمه صهيلاً رائعاً يذكرك بصباك، ويتحرّش بقطرات دمك لترقص جذلةً في دهاليز عروقك!!
هذا هو محمد الفهد العيسى، الشاعر والدبلوماسي والإداري العتيد الذي لا يشيب له قلب ولا تخذله قافية ولا يصدأ له سيف، ولا يغيض في خاطره معين شعره، يأسرك حين تقرأ أبياته، أو تستمع إليه مترنِّماً بها.
وأود في ختام هذه المداخلة القصيرة أن أشكر (المجلة الثقافية).. التي خصصت لشاعرنا هذا الملف إشهاراً لإبداعه، وتكريماً لشعره، وتذكيراً لمن تسلل إلى ذهنه هاجس النسيان له ليبقى محمد الفهد العيسى جزءاً من الذاكرة الوطنية في كل زمان ووجدان!