تتجلى صورة شخصية الأستاذ الدكتور محمد الهدلق لمن يعرفه من خلال عدة ملامح، لعل من أشدها وضوحاً صورة الأستاذ الجامعي، المخلص لمهمته، والمتفاني في سبيل أكاديميته.. فهو الملتزم دائماً بشروط الأداء المتميز للأستاذ الجامعي، في مختلف الظروف.. والحريص على إعطاء تلاميذه الوقت والجهد الذي يمكنهم من الإتقان والتفوق. والعالم الذي يملك مفاتيح تخصصه باقتدار، ويستطيع أن يدخل طلابه أبواباً واسعة من المعرفة.
الدكتور الهدلق يستحق - في نظري - طلاباً متميزين ذوي تطلعات عالية يستطيعون مواكبة علمه وخبرته وقدراته الكبيرة.. ومن الظلم أن يقوم بتدريس مجموعات طلابية متهالكة من حيث الإمكانات الذهنية والعلمية.
وفي الوسط الجامعي أيضاً يظهر الدكتور الهدلق متألقاً في مجال العمل الإداري.. رئيس قسم وعميداً، وعضواً في لجان الجامعة المختلفة، ومجالسها المتعددة.
وهنا يبرز ملمح آخر من ملامح صورة شخصية الهدلق الجامعية المتميزة، سواء في استيعابه العمل الإداري الجامع أو في إلمامه بالنظم واللوائح الجامعية. يبدو ذلك جلياً في الاجتماعات الإدارية المتعلقة بالعمل الجامعي التي كثيراً ما يشارك فيها ويناقش فيها عن خبرة طويلة وتمكن.
ثم تأتي بعد ذلك شخصية الأستاذ الباحث.. وهي شخصية تتميز بالدقة، وحسن التتبع لما يريد بحثه، فهو ليس من الباحثين المتعجلين الذين - في كثير من الأحيان - يكفيهم الخير الواحد، أو المصدر اليتيم، كلا.. الهدلق باحث صبور، طويل النفس، يقلب الأمور على وجوهها المختلفة، فإذا استقام له الأمر مضى فيه. كما أنه ينتقي موضوعاته بعناية. محاولاً النفوذ إلى جوانب لم يلتفت إليها كثيراً، أو مضيفاً ومصححاً.
ومع تنوع نتاجه البحثي إلا أنه - وهو من النقاد السعوديين الكبار - آثر أن تكون معظم بحوثه النقدية متصلة بالتراث، ولذلك لم يخض مع الخائضين في النقد الحديث، ولم يشارك في موضوعات الجدل الساخنة بين الحداثيين والتقليديين، وقد مرت عاصفة الحداثة وكان الدكتور الهدلق فيها مراقباً، وهو أمر يتفق وشخصيته الهادئة البعيدة عن بؤر التوتر كما يتفق أيضاً مع شخصيته الاجتماعية والبحثية المتسامحة.
تنوعت كتابات الدكتور الهدلق البحثية بين التحقيق لبعض مؤلفات التراث النقدي القديم وبين البحث. ففي المجال الأول حقق رسالة أبي إسحاق الصابئ في الفرق بين المترسل والشاعر، ورسالة الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض، لتقي الدين السبكي، ورسالة ابن طباطبا العلوي في استخراج المعمى.
وتناولت بحوثه العديدة في النقد الأدبي القديم مجالات مختلفة بعضها مواقف بعض النقاد القدماء من نصوص أو قضايا نقدية كموقف موسى بن عزرا من البيان العربي، وموقف القرطاجني من قضية الغموض في الشعر، ورأي حازم القرطاجني في مسألة الصدق والكذب في الشعر، وموقف ابن المعتز من شعر أبي تمام. وتأويل الشريف المرتضي للنص الشعري.
وشملت بحوثه شخصيات نقدية قديمة جلاها من خلال ما أسهمت به من نتاج أدبي أو علمي. مثل بحثه عن زين الدين الرازي وأعماله البلاغية والنقدية، وأبي الحسن المرغيناني وكتابه المحاسن في النظم والنثر.
ومن بحوثه ما يتناول بعض القضايا النقدية، مثل الثقافة النقدية لأبي الطيب المتنبي، ودعوى سرقة الشعر بين السري الرفاء والخالديين، والهزروف والقول الشعري المصطلح والدلالة، وقضية الحجاج بشأن الأحقية في الخلافة بين الخليفة أبي جعفر المنصور، ومحمد ذي النفس الزكية. وهي بحوث مبتكرة تدل على عمق في البحث، وجدة في التناول، ورغبة في الكشف عن المزيد من الحقائق في الموضوعات المطروقة.
يؤخذ على الناقد والباحث محمد الهدلق أنه لم ينشر كتاباً حتى الآن، ولعل ذلك راجع لانهماكه في أعماله الأكاديمية والبحثية، ولكن من حقنا عليه أن نطالبه بذلك، حتى يتيسر لقرائه من الطلاب والباحثين أن يتصلوا بأعماله الفكرية، التي تختبئ في المجلات البحثية، وفي سجلات المؤتمرات العلمية.
تلك هي شخصية أبي خالد الهدلق الأكاديمية والعلمية، وهي شخصية لا أريد القارئ أن يظن أنها شخصية جافة متزمتة كما يشاع عن بعض أساتذة الجامعة الجادين.
فأبو خالد الهدلق ينطوي على شخصية اجتماعية فذة، متألقة كتألقه في التدريس والإدارة والبحث العلمي شخصية معتدلة المزاج، متواضعة النفس، مرحة الروح، بشوشة المحيا، نبيلة المواقف. أصيلة ومعاصرة في آن واحد، وذلك بعض ما يعرفه عنه محبوه.