(ماجدوى أن تملك بيتا إذا كنت لا تملك كوكبا معقولا تضع بيتك فوقه)
هنري دافيد ثورو
بصوت مبحوح مسكون بحزن سرّي تهمس:
أيها المار على هذا الحرف: أرجو المعذرة فكل الأشياء امتزجت وتشوهت...
كانت حياتها مجموعة من أشياء صغيرة.. صغيرة جدا..
عاشت طفولتها ببراءة متناهية تترصدها الأسئلة، بيد أن الفراغ يفرش طريقها، وحين شبّت صارت تسمع نواح الألم في صدرها والذي يشبه نواحي الريح في زقاق بيتها القديم وتصمت..
تصمت بلامبالاة مصطنعة..
يموت كل شيء بداخلها حتى الرغبة في البكاء ..
تقترب من نافذتها تشيح الستار.. تبحث عن أمل تراه أو تشتمه في نسمة هواء..
عن شيخ يفوح منه ذكر الله..
عن صوت أبيها الذي غاب منذ زمن تحت الثرى..
عن طير أبيض يحمل لها رسالة مُزجَت حروفها بالفرح..
عن أطفال يلعبون تحت المطر ويتقاذفون قطع الطين ليشعروها أن الدنيا لازالت بخير..
لكنها تعلق آمالها على أستار السكون وتمضي..
تمضي تتأمل حياتها..
تستعيد كل ماحدث فيها..
تتعرق مسامها بشكل يشبه البكاء..
لكن الحزن الذي يربض على صدرها أكبر بكثير من أي دهشة سكنت أيامها..
اللحظة تشعر بأنها وحيدة..
وحيدةٌ كأن لم تكن أبدا..
تمسك بين يديها سنارتين لتغزل قلبا تعلقه على جدران غرفتها الصماء بَيْد أن الخيوط تنفد ويظل القلب ينشد خيطا يكمل نسجه..
ولا خيط !!
تلجأ إلى الكتابة..
تحاول أن تكتب أي شيء عن أي شيء..
أن تغرف حزنا استقر في صدرها..
لكن كل شيء يموت..
الحروف والأصوات والألوان كلها تستحيل جثثا لم تعد تعبر عن شيء..
تقضم أظافرها كتلميذ مرتبك..
كل ما حولها يشعرها بغربة لامتناهية..
كأنها مزروعة في حافلة طويلة تسير في صحراء مقفرة، ركابها لا يعرفون بعضهم البعض ولا يملكون لغة يتفاهمون بها.
هكذا هي حياتها قفر في قفر..
وغربة في غربة..