نعم، هو أمل معقود بأكثر من عقدة! اتضح لي ذلك حين تسرّبت إلى صندوقي الإلكتروني اللائحة الأساسية للأندية الأدبية في صيغتها المُقترحة، والتي اجتمع رؤساء الأندية في كل المناطق لاعتمادها في نجران. كل مثقف صار يترقّب صدور اللائحة بعد إقرارها من معالي وزير الثقافة والإعلام حتى يبدأ العمل على أسس واضحة ووفق آليات محددة لا تترك مجالاً للتأويلات الشخصية، وتوزع الحقوق والواجبات بشكل يقطع دابر الخلافات والمشاكلات. لكن اللائحة خيّبت كل توقع عندي وخرجت بصيغة لم تبعد كثيراً عن سابقتها القديمة، والتي يبدو أننا كنا نطبقها في المرحلة التكرارية الماضية.
تبدأ اللائحة بقائمة من الأسماء وتعريفاتها من مثل كلمة (نادي)، وكلمة (مجلس)، وحتى كلمة (وزارة)، لئلا يختلط على قارئها الأمر ويظن أن المادة التي يرجع إليها تخص نادي الاتحاد الرياضي أو نادي الفروسية، وأن التنظيم قد يخص مجلس الشورى، وأن الوزارة هي بالتحديد وزارة الثقافة والإعلام ما غيرها. هل يمكن أن يتشوش ذهن قارئ بنود اللائحة أن الوزير المقصود في اللائحة هو وزير الإعلام وليس وزير الصحة؟ نعم، هنالك توضيح لذلك، كما أن هنالك تحجيماً لانفلات معاني (العضو)، و (الجمعية)، بل حتى مفردة (اللائحة) ذاتها وجدت لها تفسيراً داخل اللائحة: (أي اللائحة الأساسية للأندية الأدبية).
حسناً لنكن واضحين، لا ضرر في ذلك. لكن لماذا حين تساءلت المثقفات عن سبب غياب تاء التأنيث من جميع أسطر اللائحة قيل لهن أن لا فرق بين المثقف والمثقفة في شرع الوزارة، وأن كلمة (أديب) تعني أديب وأديبة في وقت واحد؟ ألم يكن من الأجدى أن تنوّه قائمة الأسماء ومقاصدها إلى هذه الكلمة بالذات، وهي كلمة، مقارنة بالكلمات السابقة، تحتمل فعلاً إقصاء الأنثى في وسط هيمنة الأسماء والصفات المذكرة في أسطر اللائحة؟ يجب ألا يلتبس علينا الأمر عندما نصادف كلمة (الوزير) في بنود اللائحة فنسارع للقائمة لنعرف تحديداً أي من الوزراء هو المقصود وما هي وزارته تحسباً لتدخل وزير التخطيط في سير العمل الثقافي.
واللائحة يجب أن تُعرّف تماماً أي لائحة تقصدها خوفاً من مطالبة المثقف الرجوع إلى نظام لائحة الخطوط الجوية السعودية لتطبيقها على أوضاعه. أما المثقفة فيجب أن نفهم تلقائياً ودون لبس أو شك أنها مدمجة في لفظ الذكورة: مثقف. حتى الدالة اللغوية التي تحدد نوعها الجنسي لم تجد بها نفوس من وضعوا اللائحة ومن راجعوها من اعتمدوها من السادة الرجال، - والسادة هنا تشير إلى التسيد المطلق-! طبعاً الأمر واضح. من بالله عليكم سيتملكه الغباء ليتساءل إن كان كلمة (أديب) تعنى (أديبة) حتماً وبالضرورة.
تم العمل على اللائحة خلال فترة اللانظام، وكان المتوقع أن يجتمع فريق العمل بعد انتهاء المدة المقررة للانتقال والتأسيس المفترض، ثم تفصيل الأوضاع الراهنة والمآزق التي خاضها الأعضاء وبعض المثقفين اللامنتمين، وبناء على التجربة يجري تفادي تلك المآزق وتوضع الحلول المناسبة التي تمنع قدر الإمكان نشوء المشاكل التي ظهرت خلال فترة العمل الفعلي. حين جمعت الوزارة أعداد المثقفين المُعيّنين وعضوات اللجان النسائية (اللامُعيّنات) قبل أربع سنوات، وعلى مدى ثلاثة أيام لمناقشة اقتراحاتهم وتصوراتهم بخصوص هذه اللائحة، كان ذلك الجمع من البشر لم يخض التجربة بعد، بل أكثرهم لم تكن في مناطقهم أندية من قبل، فكيف كان لهم أن يتنبأوا بما سيتناسب مع مطالبهم بعد التجربة، كانت أيديهم جميعاً في الماء البارد حين فكروا وخططوا، لكن العمل في الأندية لمدة من الزمن عرّض أصابعهم للحرارة فعرفوا معنى ممارسة الإدارة الثقافية ومزالقها، وكان هذا هو الوقت المناسب لأخذ مرئياتهم. ولو حصل هذا لعرف واضعو اللائحة أن أكثر المشاكل إلحاحاً في الأندية الأدبية هو وضع المثقفات، لكن اللائحة تجاهلت هذا الأمر تماماً تجاهلها تاء التأنيث. هي أندية رجالية حصرياً، هكذا كانت وهكذا ستكون.
أعرف أن المَخْرَج المنتظر لهذه الأزمة كما يقول لنا المسؤولون هي الانتخابات التي ستضمن للمرأة حقوقها ما دامت ستترشح وتفوز بأي مقعد بما في ذلك مقعد الرئيس.
هل يتثاءب غيري نعاساً؟
بالنسبة لي ها قد حان وقت الأحلام الوردية.
فضلاً قبل أن يواجهني أحد بتهمة التشاؤم، أقول لكم بصراحة إنني لا أحتار كثيراً في تفسير تلك الابتسامة الهازئة والمخدّرة التي ترتسم على وجوه أصحاب الشأن كلما تأذيتُ من الأوضاع الحالية للنساء في الأندية الأدبية، فوراً أسمع تلك النغمة المهدئة: تحلّي بالصبر، في المرحلة القادمة، لو تم انتخابكن، فلا مانع من تولي إحداكن منصب رئيسة النادي. أنا أيضاً أعرف كيف ألهّي الأطفال!
السؤال المنطقي الذي يفضح استحالة هذا الحلم هو: إذا كان السبب في عدم تعيين النساء عضوات في مجالس الإدارة سابقاً هو مشكلة اختلاطهن بالأعضاء خلال الاجتماعات، فما هي الآلية التي يتصورها بائعو الأحلام لتسهّل لإحداهن رئاسة المجلس؟ ستقولون الدائرة التلفزيونية؟ حل بديهي، لكن لماذا غاب، وهو بديهي، عن أذهان أًصحاب الشأن الذين زجّوا بالمثقفات في المواضع الرديفة؟ أين كانت هذه التقنيات الحديثة التي ستستعين بها نائبة الوزير نورة الفايز في عقد اجتماعاتها مع مسئولي وزارة التعليم ومنسوبيها؟
المرأة إن فازت بمقعد، أكرر إن، فربما يكون واحداً من الستة المقاعد الاستشارية التي لا تقدم اللائحة أي توصيف لمعنى وجودهم ضمن المجلس الموقر. فإذا كان العمل يتطلب وجود أربعة أعضاء عاملين وقائمين بالمهام، فلماذا هذا الاصرار على رقم عشرة السحري؟ فعلاً عمل هؤلاء الأعضاء زاد غموضاً في وجود الجمعية العمومية والتي تمثل (السلطة العليا التي ترسم سياسة النادي وتشرف على أنشطته وتراقب تطبيق لوائحه). تسهب اللائحة في شرح التصور الجديد لمفهوم العضوية في مجلس الجمعية العمومية وهي عضوية مفتوحة لكل المثقفين حسب شروط مرنة، وهذا هو الجزء غير المسبوق من اللائحة. لكن عمليتي الترشيح والانتخاب ما زال يشوبها بعض التعقيد في حالة الرغبة في الانضمام لمجلس الإدارة في أحد هذه المواقع الستة الاستشارية. عندما يرشح العضو نفسه أتصور أنه سيتقدم بفكرة أو مشروع يخدم بها موقعه الذي يصبو إليه، فماذا سيقول للإخوة الناخبين لإقناعهم بصلاحيته لأحد تلك المقاعد؟ نحن نعرف جيداً ما هو المطلوب من الرئيس ونائب الرئيس والمدير الإداري والمدير المالي، وسوف نتطلع إلى مواصفات محددة تخدم كل موقع، لكن هذه الستة مقاعد لا تشرح لنا اللائحة مطلقاً ما هو المطلوب والمتوقع من شاغليها، فعلى أي أساس سننتخبهم.
ركزت اللائحة على تنظيم عمليتي الترشيح والانتخاب تفصيلاً، كما قدمت قائمة من الأنشطة والفعاليات التي ستعمل مجالس إدارة الأندية على تقديمها، ولنقل المحافظة على تقديمها فهي تشبه كثيراً ما يجري الآن في أروقة الأندية. لكن ما تناسته اللائحة هو تنظيم العلاقات بين الأعضاء ورسم الحدود في التعامل مع بعضهم البعض، خصوصاً في حالة أولئك الستة ووظائفهم الشبحية. هذا أمر غاية في الأهمية، فقد رأينا بشكل قاطع عدم التمازج بين أعضاء اختارتهم الوزارة بعناية شديدة وتوقعت أن يتفقوا بلا نزاعات، لكن الحقيقة كانت صادمة، فكيف سيكون الحال إذا ما اجتمع في المجلس أفراد لا يعرفون بعضهم بعضاً ولا يتفقون في تقييمهم للأمور ونظرتهم لها، بل وبينهم بعض من النساء. هل نعيد الكرة ونتفرّج على صراعات جديدة وانسحابات صامتة واستقالات مجلجلة.
إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام حريصة فعلاً على دخول المثقفة مجالس الإدارة في الأندية الأدبية، فأمامها خياران لا ثالث لهما: إما أن تعتمد نظام (الكوتا) الذي يساند عادة دخول المرأة أي مضمار للمرة الأولى، فتضمن للنساء عدد أربعة من المقاعد، أو أن تعتمد نظام (التكتل)، فيتم التصويت على مجموعات من عشرات لا على أفراد، وتنضم المثقفة إلى التكتلات كعضوة أو أكثر من أولئك العشرة. أما أن يُترك الأمر على غاربه، وتضع الوزارة حمل اقتحام المرأة مجالس الإدارة بثقله على كتفيها ثم تقول لها: لقد أعطيناك فرصة مماثلة للمثقفين من الرجال وفشلت، فهي تقضي وبسابق إصرار على فرصها تماماً وتحكم عليها بالابتعاد عن دائرة اتخاذ القرار، وتضعها في وضع أسوأ من وضعها في اللجان النسائية حيث كانت على الأقل رديفة. إن لم تتحرك الوزارة لمساندة المرأة في الأندية الأدبية بشكل أكثر جدية، فذلك يؤكد ما فهمته من تلكم الضحكة الساخرة والمخدرة على وجوه أصحاب الشأن، ضحكة تُلهينا بها حتى نصمت وترتاح.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7712» ثم أرسلها إلى الكود 82244
جدة
lamiabaeshen@gmail.com