القراءة أداء معرفي يتفوق ببعض نتائجه على العمل الكتابي نفسه، وإن كان علي حرب قد قدم أعماله باسم القراءة المنتجة فإنني أسعى بمبحثي فيها على نتاجه الكشفي في العمليات المعرفية، وأعتبره كشفي لأنه يرتكز الكشف عن اللاواعي من تفكيكه الأقوال في الأعمال الفكرية، فهو يقول لنا أن نقده لا يجري في إطار مشروع شامل ليردفه بسببية أنه يعمل على فرع ومسألة ومقولة فقط بينما ليس في ذلك ما يفسر لنا افتقاده للمشروع، وأجد أنه يعي قدرته الكبيرة على الوصول إلى مناطق التفكير اللاواعية لمناطق أخرى يُشتَغًل عليها باعتبارها مساحة الموضوع أو خلفيته بينما لا يقول لنا بأن الخوض في اللاوعي يفقده القدرة على الشمول أو حتى الإجمال بشكل يسمح بمشروع نقدي لأن أصعب ما يفرضه العمل على اللاوعي برأيي هو افتقاد الإطار، وأقول لا يقول لأنني لا أفترض معرفته أو جهله بهذا، إن المنطق برأيه يولد فكرة ميتة فهل لأن النتيجة مسبقة التفكير فيها أو لأن المنطق مجموع أدوات ملزمة باتجاهات معينة ؟ كأننا نسمعه أحيانا يتأسف للحدة التي يخلقها المنطق فهل هي من خصائصه كأداة أو من خصائص الموضوع الذي استخدم له وليست الذاتية احتمال لأنها في المعرفة ليست إلا عملياتها، يهمني هنا إيضاح ما أسبقت له من أن علي حرب قد برز كثيرا في مسائلة الذي لم نقله في كلامنا، إن مصادرة الحقيقة باسم التنوير أو التجديد باسم الثقافة أو الدين كانت مواجهته المصعدة فنجده دائما ما يؤكد بأنه يدافع عن حقه بالتفكير ورفضه استلام المعرفة كمسلمات جامدة ومقولبة في أنظمة تفكير محددة أيا كان النظام منهجيا أو علميا طالما هو يحضر لحقيقة دون سواها أو لاتجاه دون آخر, يقول لنا عن الممتنع عن التفكير بدل اللامفكر فيه لنعرف أن الأول مصطلح لتلك المناطق التي لا نفكر فيها لأننا دون وعي نرفضها بينما اللامفكر فيه يشير إلى مناطق أخرى لا نفكر فيها دون أن نرفضها أي أنها فقط غير حاضرة، إنه يرفض سلطة المثقف أكثر ما يرفض سلطة الدولة لأنها مهمة المفكر بالأولوية، إنه ضد الحقيقة كاملة لأنها قطعا لا تكتمل، وهو أيضا قد يأخذ بالخلط بين الثوابت والمسلمات مما يصنف عليها بالهدمي، فهل تستوي معه المقدسات وما يشكل علينا إن كان يفعل، إنه صوت مختلف لا لأنه عكس الاتجاه بل لأنه يتحدث من حيث لم نفكر قبل, ينطلق من مناطق لم نفكر فيها لأن المعرفة لدينا مقيدة بمعرفيتنا، هو ضد الهوية تقبض على الفكرة بذريعة المرجع، ومع الوجود الإنساني يأخذ حقيقته بإنتاجه تحت أي اسم، ولأن يعتبر علي حرب التأسيس عمل السياسيين أو المبشرين بينما العمل الفلسفي يقوم على تهافت البناء والنظام فهو اعتبار يأخذ دلالته بالفارق الذي يفترضه هذا المبحث من أن منطلقات الفكر أو مناطقه هي مساحة العمل الأهم والأخصب بنقده المعرفي أو بمعرفيته الناقدة، ذلك لأن البناء يعني الإيمان بمنطقة للبقاء فيها، كما أنها تبين أكثر إلى أنه لا يبحث الأدوات كفاعل وموجه بل كمفاعيل عن المناطق التي بذلك ستكون السلطة الأهم على التفكير، وقد أوضحت إلى ما أفسح عنه أبو زيد من أن الأدوات تحكم المناطق أيضا وتنقل لها الاتجاه كقاعدة وسمة بما يرسبه من الرفض العدواني، فهل الاتجاهات وحدها تخلق العدوان وإلا ما يفسر حالة السلم الذي يجدها علي حرب مع الجمهور رغم عمله الكبير على أهم مشاريع الفكر العربية، فهل هو الاحتمالية الأولى من أن عمله في اللاوعي يبقيه انعزاليا عن الحالة الانفعالية للوجدان والمعرفية الشعبية أو أن أعمال أبو زيد لم تأخذ قيمتها إلا من موضوعها الديني احتمال ثان، وحرب كأي ناقد سيشير إلى ما تخلقه المنهجية من القطيعة لكنه لا يقف على هذا بل يمتد إلى المنطلق الذي أحدث شرطية القطع وما خلفه من مناطق تفكير تحكمه أو قام هو بتهميشها، يهمه إعادة التفكير فيما فكر به كعملية تحررية من شروط تحكم معرفيتنا ولا ندركها لأنها أسست قبل أن نعي موضوعها، ويبدي هذه العملية برغبته في التحرر من وساوسه التراثية وهواجسه العرقية، إنه يشتغل على الفصل تصويريا للقراءة لا للتحديد، فالحدود ليست مانعة بل فاصلة وهو عمل تفكيكي لا يتوقف به على حقيقة نهائية لأنه ليس من مهام الفكر القبض على الحقيقة بل البحث عنها، وختاما لهذا المبحث المبسط سيمكنني القول:
إنه ليس من العملي الفصل في التفكيركعمليات بين الأدوات وبين المنطلقات أو المناطق لكنه من البحث الموضوعي ومن الإمكان القادر على قراءة العمل المعرفي كأداء عام يميز بين عمل وآخر.
كاتبة وباحثة سعودية - الرياض
Lamia.swm@gmail.com