إعداد - محمد المنيف:
لا نزال نواصل الطرح (الموجز) حول حضور المرأة في الفن التشكيلي ابتداء من العصور الوسطى مرورا بعصر النهضة وصولا إلى العالم العربي بما فيه الخليج إلى أن حطت رحالنا في ساحة فنون المرأة السعودية، وأشرنا في الحلقة السابقة إلى الصعوبات التي كانت تواجه التشكيليات السعوديات وعزونا ذلك إلى جانبين الأول عدم فهم آلية المشاركات في كيفية وصول الأعمال إلى المعارض والمسابقات، والأخرى ضعف المستوى الفني فيما يقدم من أعمال، إضافة إلى ذكر بعض الأسماء التي شكلت ضوءا لفت أنظار المهتمين بالفنون حضورا وتأسيسا للبدايات النشطة في مسيرة الفن التشكيلي السعودي من جانبه النسائي ممن أتين بعد فترة زمنية فاصلة بين حضورهن وبين أول المعارض للرائدات الأوائل في الساحة أمثال منيرة الموصلي وصفية بن زقر ونبيلة البسام عودا إلى إقامتهن أول المعارض التشكيلية في الستينيات وبداية السبعينيات الميلادية بمقاييسها العالمية شكلا ومضمونا بخلاف المتعارف عليه من معارض المدارس أو معاهد المعلمين في تلك الفترة، وقدمنا نماذج من بعض المناطق رغم تباين الحضور وأسبقية بعضهن على بعض مع أن الفترة الزمنية بينهن قد تكون قريبة نوعا ما.. واليوم سنتطرق..
التحرك نحو الأضواء
أشرنا إلى أن إنشاء أقسام للتربية الفنية في جامعاتنا السعودية التي تعتبر جامعة الملك سعود الرائدة في هذا المضمار لكونها تضم أول قسم للتربية لفنية أنشئ عام 1394هـ للطلبة وعام 1405هـ للطالبات كان له ولغيره الأثر الكبير في الدفع بأعداد كبيرة إلى الساحة من الراغبات في مجالات الفنون وتدريس التربية الفنية ومع ذلك لا يمكن أن نعمم على أن كل من تخرجت من هذه الأقسام تعد فنانة فمثل هذه الصفة التي أصبحت تمنح للكل من بعض معدي ومنظمي المعارض أو من الصحفيين فبعض تلك الأقسام مرتبط بالاقتصاد المنزلي خصوصا في كليات المعلمات والآخر منفصل كما في أقسام الجامعات إضافة إلى أن مراحل تطور تدريس الفنون وتعدد تخصصاتها والتأكيد على أهمية تطوير القدرات التشكيلية فأصبحت المواد الحالية في أقسام التربية تشمل، تاريخ الفن الرسم التشكيلي - التصوير التشكيلي - التصميم - الخزف - الأشغال الفنية - أشغال الصياغة والمينا - النسيج والسجاد وغيرها) إضافة إلى مجموعة من المقررات النظرية إلى جانب المقررات العملية والتي تثري الإطار المعرفي للطالب ومن هذه المقررات تاريخ الفن القديم والحديث والمعاصر - وفلسفة التربية الفنية - النقد والتذوق الفني - علم الجمال - تاريخ الفن الإسلامي- أصول التربية الفنية وطرق تدريسها... هذه المواد منحت الطالبات الملتحقات من الموهوبات المؤهل لدخول غمار الساحة التشكيلية. فأخذت الساحة تستقبل أعدادا كبيرة منهن من استطاع الالتحام والتواصل والبحث واثبات الذات الإبداعية في الكثير من المعارض والبعض الآخر توقف حضوره عند حدود السنة الأخيرة من لدراسة، كما لا ننسى أن هناك من الفنانات التشكيلات المتميزات على الساحة من غير المؤهلات في مجال التخصص وإنما يمتلكن الموهبة المدعمة بالدورات والتجارب والخبرات.
المعارض الشخصية
للمعارض الشخصية في مساهمات المرأة التشكيلية السعودية حضور كبير وهام حقق فيه الكثير منهن إثبات القدرة على الإنتاج وإمكانية تقديم عمل متكامل يكشف تجاربهن بمساحة تسمح للمشاهد والناقد من معرفة حجم الخبرات والأساليب المطروحة في مسيرتهن إلى أن أصبح لكل منهن شخصيته وروحه الفنية، وإذا كنا قد ذكرنا في بداية الحلقات الخاصة بالتشكيليات السعوديات عن الرائدات منيرة الموصلي ونبيلة البسام وصفيه بن زقر وعن فترات إقامتهن لمعارضهن الأولى فإننا اليوم سنسلط الضوء على نماذج من الأجيال اللاحقة التي تلت فترة التأسيس ومنهن الفنانة اعتدال عطيوي، فوزية عبد اللطيف،، غادة بنت مساعد، نوال مصلي، شريفه السديري، حنان باحمدان، بدرية الناصر، زهرة بو علي، شريفة السديري، هدى العمر، حميدة سنان، رضية برقاوي، وفاء بهاي. هذه الأسماء وغيرها كان لإقامتها معارض شخصية اشتملت على العديد من الأعمال دور كبير في إثراء الساحة ولفت النظر إلى خطوات أخرى تمثلت في المعارض الجماعية ابتداء من الثائية وصولا إلى معارض المجموعات، لكن اللافت للنظر أن أغلب المعارض الشخصية انطلقت من جدة والدمام تبعتها الرياض بعد ذلك وفي وقت قريب. وبالطبع فإن إقامة معرض شخصي لا يأتي بسهولة لأسباب كثيرة منها الشخصي المتمثل في وصول الفنان إلى قناعة بأن ما لديه من أعمال تحمل المستوى الجيد والعدد الكافي لمللء حيز من صالة سيرتادها الجمهور، أما الجانب ا لآخر فهو في شجاعة الفنانة أو الفنان في ذلك الوقت لتقديم معرض لساحة لا يحمل من فيها أي ثقافة بصرية أو تشكيلية أما الأهم في تلك الأسباب فهو ثقة الفنان بإبداعه بشكل فردي وقدرته على تحمل الرأي الآخر سلبا وإيجابا.
المعارض المشتركة والمؤسسات الداعمة
لمرحلة الثانية من مراحل حضور المرأة التشكيلية للساحة فهو تحركها الجماعي الذي لا يقل بأي حال عن المعارض الفردية استطاع العديد من التشكيليات أن يلملمن شتات محيطهن ويجتمعن في معارض مشتركة ساعدت في التعريف بهن وبرز من خلالها العديد من المبدعات اللائي أصبحن يعملن منفردات بشخصيتهن أسلوبا وقامة معارض، وقد ساهمت العديد من المؤسسات والأفراد في تحريك هذا التوجه، حيث أقيم في الرياض أول معرض عام 1998 يمكن اعتباره الأبرز والأكثر أهمية في جمع شتات فنانات الرياض مع أن الكثير منهن توقف لاحقا كما أقام بيت الفنانين التشكيليين في جدة معرضا خاصا بالفنانات يحمل عنوان (تباشير لونية) عام 1415هـ.. ثم تحول لاحقا إلى معرض يحمل عنوان معرض الواعدات بعد انتقال الفكرة التي قام بها الفنان هشام قنديل إلى اتيليه جدة وما زال المعرض يقام سنويا وبنجاح قدم للساحة العديد من المبدعات، كان من بين من مر بهذا لمعرض في دورتيه الأولى والثانية كل من، حنان حلواني وسارة كلكتاوي، أما الساحل الشرقي فقد شهد مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف نشاطا تشكيليا نسائيا منذ العام 1404 وما زال يقام له معارض حتى اليوم قدم العديد من الأسماء، وفي عام 1409-1989 أقام فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، المعرض التشكيلي الأول للمواهب شارك فيه من الفنانات منى المروحن وخلود آل سالم ومهدية آل طالب وإيمان الجشي اللائي يعتبرن اليوم من الأسماء المعروفة على الساحة التشكيلية، ومن جانب المؤسسات الخاصة فقد أقامت شركة الجفالي في جدة عام 1425هـ معرض الفن التشكيلي لعدد من الفنانات السعوديات بمناسبة عرض سيارات ماي باخ شارك فيه كل من صفية بن زقر، ريم ناظر وراندة عاشور، وسامية محمد خاشقجي، ووفاء كارشا، وآمنة علي رضا، ونسرين دباعي، وحنان طالب، وحنان مصلي، وحنان حلواني، ووفاء عقيل.
من جانبه ساهم المركز السعودي للفنون كعادته بكثير من الدورات وأقام لها معارض جماعية للمشاركات منها معرض عام 2001م للمتخرجات من إحدى تلك الدورات بمشاركة 66 شابة تتراوح أعمارهن بين 15 و30 سنة إضافة إلى العديد من المعارض منها معرض عام 2004م بإقامة معرض رباعي التشكيليات آمنة الحازمي، شيرين حلال، عائشة الكاف، رجاء اليافعي.
وساهمت الفنانة وفاء العقيل من خلال مؤسستها عام 1425هـ بالإشراف على معرض تشكيليات جدة الثاني) بمركز البساتين. وساهمت مؤسسة الفن النقي التي أسستها وتديرها سمو الأميرة أضواء بنت يزيد بالكثير من المعارض والمسابقات للواعدات وأشرفت على المعرض الأول للتشكيليات في الرياض واستضافت فنانات من الكويت وما زالت المؤسسة تقدم الكثير في هذا الجانب عبر معهد المهارات والفنون.
وقدمت قاعة لحظ للفنون التشكيلية العديد من المعارض الخاصة بالسيدات منه على سبيل المثال معرض (عين على الشرقية) بمشاركة خمس عشرة فنانة من المنطقة الشرقية. وساهمت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين تقيم معرضها الجماعي الأول للفنانات التشكيليات السعوديات الأول عام 2000م أشرفت عليه سمو الأميرة أضواء بنت يزيد:
شارك به إضافة إلى الأميرة أضواء عدد من التشكيليات نذكر منهن، أسماء الدخيل،، بدرية الناصر، جوهرة الشعيبي، حنان الهزاع، خلود آل سالم،، سارة كلكتاوي، سلوى الحقيل، شريفة السديري، عائشة الحارثي، عبير فلمبان، غادة بنت مساعد، فاطمة عمران، فوزية الخميس، فوزية العبداللطيف، لاما السديري، مريم العمري، مسعودة قربان، منال الرويشد، منى القصيبي، منى المروحن، مها السنان، مها السويلم، مهدية آل طالب،، ندى الركن، هدى العمر، هناء الشبلي، وسمية العيشوي،، وفاء بهاي. وفي جدة أيضا افتتح عام 1428هـ المعرض الأول بعنوان إشراقات فنية وذلك بصالة بيت الفنانين التشكيليين شارك به عدد من التشكيليات الشباب.
مناطق ومحطات جديدة
لم يتوقف تحرك التشكيليات عند حدود المدن الكبيرة أو التي للفن التشكيلي فيها سابق حضور كما اشرنا مثل الرياض والدمام وجدة، بل امتد العطاء والمنافسة والتلاحم بين التشكيليات إلى مناطق ومدن جديدة منها المدينة المنورة بمعرض إبداع الأول للفنانات التشكيليات الذي نظمه فرع جمعية الثقافة والفنون بالمدينة المنورة لأول مرة وذلك بمجمع الجزيرة السكنى التجاري بالمدينة المنورة2006م.. وفي مدينة بريدة أقيم المعرض الأول للفنانات التشكيليات في القصيم الذي نظمته جمعية الملك عبدالعزيز النسائية الخيرية بالقصيم بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالمنطقة عام 1420هـ. وفي تبوك أقيم معرض للتشكيليات عام 1425هـ كما أقيم أيضا عام 2008م معرض مماثل في محافظة الرس.
جماعة مهبط الوحي
أما الحدث المتفرد مع أننا مازلنا ننتظر حضوره الفاعل في الساحة فهو جماعة فنانات مهبط الوحي التي تشكلت من عشر فنانات انطلقن من قاعة أروقة الفن المكية التابعة للفنانة ابتهاج بنت حامد إدريس عضو هيئة تدريس بجامعة أم القرى قسم الفن وهن، ابتهاج بنت حامد إدريس، فاطمة وارس، لمياء باوزير، سناء صميلان، خديجة متولي، سلوى حسين، ثريا المؤذن، ريم إدريس، أحلام بصنوي، مها العثيمين.
الخزافات للفنانات التشكيليات
وفي جانب التخصص الذي نطمح إليه في مختلف فروع الفن التشكيلي كنا نرى معرضا للجرافيك وآخر للمائيات والنحت قامت نخبة من التشكيليات المتخصصات في الخزف بتنظيم معرض لإبداعاتهن الخزفية في جدة بالتعاون مع فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة ضم عددا من المبدعات في هذا المجال وهن : منى سمبل ونسرين حبيب وسندس باصويلح ومنى التركي وعبير ولي وأريج زكي وداليه وزير.
ختاماً
هذه إطلاله اقتطعنا ما فيها من أنشطة تابعناها الكثير منها وحظينا بشرف دعم بعضها إعلاميا، أحببنا أن نضعها كشاهد على كثافة ما تحقق للتشكيليات من حضور قل أن نجده في مواقع آخر وقد يكون في ذلك ايجابية وقد تكون الكثرة مدعاة للملل حينما لا تكون مثل تلك المعارض على المستوى المأمول.
الأسبوع القادم سنستعرض الدور الرسمي في دعم الساحة التشكيلية النسائية، كما سنتطرق لدور التشكيليات في المساهمة في تطوير مفهوم هذا الإبداع عبر مؤسساتهن الخاصة.
monif@hotmail.com