الكتب التي هي أوعية المعرفة بما هي غذاء للفكر والعقل والروح من أهم لوازم حياته؛ ولكنها قد تتعرض للسجن حقيقة أو مجازًا، فأما الحقيقة فهي في تلك الكتب التي تنشرها بعض المؤسسات الرسمية والشبيهة بالرسمية لتقبرها في مخازنها فلا ترى النور إلا في معارض الكتب أحيانًا، فليس من سياسة تلك المؤسسات أن تدفع بالكتاب إلى السوق كغيره من الكتب التي تنشرها دور النشر العامة، وأما السجن المجازي فذلك أن بعض الكتب تناله عناية فائقة من المؤسسة الرسمية فتنشره نشرة بالغة الأناقة، تتخير له أغلى الورق وتتأنق في إخراجه وتجليده حتى تصير النسخة من الكتاب باهضة الثمن، مثال ذلك كتاب (أصول الخيل العربية) الذي نشرته في مجلدين مكتبة الملك عبدالعزيز، نشرت الكتاب في ثلاث طبعات أولاها الطبعة الخاصة وليست هذه الطبعة متاحة للبيع، والثانية الطبعة الفاخرة وهي مجلدة تجليدًا فاخرًا وتباع بما يزيد على ألف ريال، وأما الثالثة فهي الطبعة العادية وهي طبعة مجلدة أيضًا وثمنها ثماني مئة ريال، وهو ثمن لا يطيقه كل قارئ، وهكذا صار هذا الكتاب سجين سعره، منذ بات سعر الكتاب من أهم صوارف القارئ عن اقتنائه وقراءته.
بعد ترقب طويل نشرت مكتبة الملك عبدالعزيز (معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة) للشيخ محمد بن ناصر العبودي وفرحت بنبأ نشره فرحًا عظيمًا تضاعف بتكريمه النادي الأدبي بأن نالته جائزة كتاب العام، ثم إني شهدت التكريم ورأيت صورة مجلدات الكتاب؛ ولكن شعورًا بات يغالبني لا أستطيع دفعه حول سعر الكتاب، أسيكون في طوق من يريد اقتناءه من المواطنين البسطاء أو من العلماء وطلاب العلم المهتمين الاهتمام كله بمضمون المعجم ويقدرونه كل التقدير، كم تمنيت أن لو أتيح لهذا الكتاب وأمثاله أن ينشر نشرة شعبية على أرخص أنواع الورق ليكون في متناول المريدين إلى جانب النسخ الفاخرة للميسورين. والنشر بالطريقتين سياسة تتخذها بعض دور النشر في غير بلادنا، وربما حققت من النشرات الشعبية ريعًا أضعاف ما تحققه من النشرات الفاخرة. ويمكن للمكتبة إن هي أرادت تعميم الفائدة أن تنشر المعجم نشرًا حاسوبيًّا على رقائق رخيصة الثمن (CD) أو ترفعه على الشبكية وتبيعه لمن يريد ذلك كما تباع غيره من الكتب في العالم الغربي، وأحسبها إن هي فعلت تحول دون نشره من غير حق كما نشرت كتب كثيرة على العنكبية ما كان القارئ سيحصل عليها بيسر لولا هؤلاء المتبرعين الذين حسنت نواياهم وأخطأ الصواب عملهم.
1524
الرياض