في فضاء مشبع بأناقة هواجس الأنثى، وببوح شعري شفيف تطل الشاعرة سلوى أبو مدين على القارئ من نوافذ قصائدها الجديدة التي ضمتها في ديوان صغير ورشيق وسمته بعنوان «في دهاليز الأرق» حيث تشرع للذائقة فرصة التلقي الجميل.
فحينما تستهل الشاعرة قصائد ديوانها في وصف معاناة الإنسان مع الأرق الذي يأتي عادة بعد محفز العناء، لتبحث عن الذات في دهاليز الحياة التي قد لا تقوى على مبارحتها إلا بمزيد من الصبر والتفاؤل والأمل بمعية الشعر وقدح زناد الفكر والتأمل فيما وراء الأفق البعيد وستر المجهول.
فالعناء الذي يسكن الشاعرة سلوى أبو مدين توافر وتعاظم بعناية شعرية وبحضور لغة إبداعية مترنمة ببوح الشاعرة الذي لا يكل أو يمل من مناوشة الألق الإنساني الذي يبعث في مجمله على الأرق والحزن وضياع البوصلة حيث تستدعي الشاعر ضمير الأنثى ليكون محفزاً قوياً للقارئ من أجل أن تخوض ذائقته في تفاصيلها على بديع القول الذي يحقق أهم أهداف الشعر ومراميه.
ترنيمة الوعي على شفير حرقة البوح:
«لا تجزع
هذه ضربات
قلب المساء
ملح العالم حط
على روحي
خلف الزجاج المعتم
ابتسامات شاحبة
قلب يغفو
على صرير جرح..»
تدير الشاعرة سلوى أبو مدين بوصلة الشعر بهيئة نقد لاذع لكل المثبطات والمعوقات وحبائل اليأس، إذ لا تجد مندوحة عن سبك مفردات الألم التي سعت إلى روحها إلا أنها حاولت تجاوزه نحو الأمل لتغص حنجرتها بحروف الألم، فلم يعد ليل الشاعر هو ذلك الهائم الحالم إنما أسرفت الشاعرة في كيل النقد والتعريض فيه، لأن اليأس ـ كما تقول في دهاليز أرقها ـ هو وقود الذات الواعية.
حتى الفرح في هذه القصائد يأتي على استحياء، بل إن الشاعرة رسمت تفاصيل فرحها في إحدى القصائد التي عنونتها بـ»فرح متخاذل» ربما إمعاناً منها في نبش حقيقة اللواعج والآهات وصنع ما يمكن صنعه من إيقونة تحافظ على مد جسور الواقع الذي يفرض نسيجه العام.
فقصيدة فرح متخاذل تقيم معادلة البحث في هواجس الشاعرة التي لا ترى في هذا الديوان سوى قاموس الألم:
الأرق خاوٍ
ارشقني
أيها الليل
ما زالت حواسي
تتسكع
لا شيء سوى
حلم كثير يرقبني»
فقاموس الشاعرة في هذا الديوان يموج بمفردات الألم الإنساني الذي تكبدت فيه المرأة الكثير من الهزائم جراء حروب خاسرة عادة ما يكون للخيبات صداها في جل مفاصل القصائد بل ربما أقربها في هذه المقاربة هو قصائد على هذا النحو من العناوين «مقعد بارد، لهاث، خيبة، وعكة حنين، فقد،حلم متشظٍ، عبث، سقف شائك، سراب، رفات، عزلة» وما إلى تلك المتواليات الأليمة التي برعت سلوى أبو مدين في استقصائها رغبة في صياغة بيان إنساني حاد، لا يوارب أو يجامل أو يهادن.
البحث عن الذات المتفائلة هو ما يمكن أن نجهد في استحصاله وتكوينه بهيئة سؤال عن أفق الممكن وفأل الآتي؟ ولو من خلال إشارتها إلى فجر نابض في الحياة بعد ليلة شتاء يحن فيها الرذاذ إلى تعلقه بأغصان ستنهض عما قريب للحياة.
القصائد في هذا الديوان تواردت على هيئة رسائل مقتضبة، وحملت على مفاصل بُعد استشرافي لحالة الوجع، فما ينقذ القارئ من حالة الهلع من الحزن الثر هنا هو أنها أتت على هيئة رسائل خاطفة ورؤية تثب على عجل في مدارك الخاطر الذي تسكنه صور بعيدة للأمل والآتي الجميل، وهذا ما يمكن لنا أن نحرض الشاعرة عليه.
-