فقط أربعة وخمسون مأزقاً في ثلاثمائة وسبعين صفحة فأين البقية؟! شكراً لك أخي المثقف المتفتح، الجريء حقاً المتحدث، الواعي بالمسيرة.. والعارف بالطريق والحياة المعاصرة.. أرجو ألا تكون قد وقعت في شيء من هذه المأزق!!
أتى الكتاب الجميل طباعة، ونظاماً، وعنواناً: ليتناول بعض ما في حياتنا اليوم من مأزق.. (شبابنا يسائلون ويتساءلون، فلا يدرون ولا يجابون، وأن - بحقهم وحقنا - كشف الشبهات بشفافية مطلقة، وقراءات مكتملة، ولا ضير إذا عرفنا او اعترفنا أننا لم ولن نكون معصومين).
أما مأزق الأبوية الذي كان من أسباب غرس الكره في نفوس البعض حتى باتوا يرون الرأي الآخر خطراً يجب قمعه!
أما مأزق النص فهو ألف مأزق مجتمعة، وإذا كان المتنبي والمعري وجبران والمفكر القصيمي شهود ثبت على أن (المستقبل يحتاج إلى حراك مختلف يبتدئ باستقلالية المؤسسات الثقافية، والتعليمية، والاجتماعية من الوصاية الظاهرة والمستترة، أو الرسمية والشاعرية) فإن ذلك الذي تراه هو ما دعوت منذ قريب إليه في مقالاتي (للجامعة رسالة).. ذلك لأنه هو ما يجب أن يكون نهج العمل في كل جوانب حياتنا.. فك القيود، وكسر العصى، وفتح الأبواب أمام الفكر الحر، ومخلص الآراء.
أما ما جاء في (مأزق الاجتزاء) من غريب مواقف بعض الناس من أصحاب الفتوى والعلماء فهو ظاهرة تستحق - حقاً - الوقوف والتحديد (إذ تنسب أكثر هذه الفتاوى إلى رموز إسلامية لا رغبة في نشر الخبر، بل للتشويش باجتزاءات مخلة لا تراعي متى قيلت؟ ومن قالها؟ وكيف؟ ولماذا؟ لكن مما يطمئن القلب أنه: إذا أخطأ فرد فقد أصابت مجموعة - والحمد لله.
وفي مأزق التفاصيل تحققت المأزق بصورها الواقعية فيما يخص (أن الإسلام الحقيقي مطابق للمدنية) كما ذكر ذلك محمد فريد وجدي، وأكده بالأدلة واليقين علماء آخرون وكنا ونحن في الدراسة نلقن (أن الإسلام دين الحياة، وبه وحده يجيء التطور والتحضر) وهذه حقيقة باقية لا مراء فيها.
أخي الباحث المنقب عن الحقيقة..
كأنك فعلاً تختار المأزق التي لا انفراج لها، ومنها (مأزق التزوير) الذي هو مأزق عميق في حياتنا، وإن كنت أرى أنه نادر ومحدود، وحديثك عن هذا الأمر يثير الإشفاق، ولكني معك بالتأكيد (لا وبالتأكيد لن نكون في حال صحية أسوأ لو سادت المجتمع لغة المكاشفة، فعرفنا أدواءنا من دون أن نرفع أصواتنا بالتعتيم بدلاً من التقويم).
والصدق معك حين توجه القول لصاحبك رجل القضاء (لم لا تقدمون للناس أرقاماً وإحصاءات مثلما فعلتم مع المخدرات، ولم لا تقومون بعمليات توعوية.. المأزق جد خطير).
أخي الدكتور إبراهيم
لقد أوقعتني الآن في مأزق عميق لم تتطرق إليه في مأزقك، ذلك أنني الآن وأنا أقرأ كتابك هذا يطل علي كتابك (دوائر ليس إلا) وكأنه يوشك أن ينقلني لدائرته لأعيد قراءته شوقاً لما فيه، وبجانبه إطار قوي رحب، إنه كتابك (الإطار يكفي) وفيه ما أحب أن أضعه زينة داخل هذا الإطار.
وتمتد يدي وأرجعها عن كتابيك اللذين هما أمامي الآن أيضاً (كيلا يؤرخ أيلول) (وفق التوقيت العربي)وظروفنا العربية اليوم تشجع على إعادة قراءتهما! ففيهما - حياك الله - أحاديث ذات شجون عن حياتنا العربية التي تتشابه من حين لآخر، ولكني آثرت البقاء مع المأزق وإذا (بمأزق الثقة) يوقفني طويلاً.. وهو مأزق الرقابة والمطبوعات، وكيف يمنع البعض إنتاجاً أو يصادر إنتاجاً ثقافيا شعرياً أو كتابياً كما حدث مع شعر نزار قباني - على سبيل المثال - ووراء هذا المنع نوازع سلطوية، أو قل دوافع طيبة، وجميل قولك بحق (استمر السجال دون تحقيق الغاية وسيظل محتدماً ما دام الفكر للعقال لا للعقل).
وأقول (كل ممنوع مرغوب) فإن حظر النشر عامل من عوامل اتساع التوزيع، وزيادة الرغبة في الممنوع، وقد سمعت هذا من مبدع معروف، رفع يديه إلى السماء قائلاً أدعو الله أن يمنع كتابي هذا من التوزيع في بعض البلدان لأن هذا أكبر إعلان عنه، ومضاعفة أعداد توزيعه.
أيها الأخ العزيز:
كتابك هذا الأخير (مع فواصل في مآزق الثقافة العربية) أوقعني بحق في مأزق كبير، حيث تركت بعض الأعمال المطلوبة إلى العكوف على مأزق العويصة فيه، والتي ربما تكون موضوع لقاء آخر بيننا إن شاء الله.
حفظ الله فكرك وطور الله سن قلمك، وأفسح الوجود أمام رؤاك.. ونجاك من كل المآزق.
-
- الرياض