هل أنت سعودي الجنسية أم سعودي الجواز فقط؟ يخلط الكثير منا بين الاثنين، فإذا كانت الجنسية هي الهوية المدنية للإنسان، فإنّ الجواز ليس إلا ورقة ثبوتية لعبور الحد المدني بين الدول، وما بين الاثنين فارق السؤال عنا، هل نحن السعوديين نمثل فعلا هوية سعودية معروفة أم أننا نبدو كمن يحمل جواز سفر سعودياً فقط ؟
لماذا كل مرة نشعر فيها أننا قريبون جداً من المدنية وقادرون على تمثيل هوية وطنية نصطدم بمواقف حادة الوضوح أنه ليس بعد، وأن المسافة بين التغيير الاجتماعي الذي نريده وبين الواقع لازالت بعيدة، وأن الكثير من مشاهد حياتنا اليومية تكشف لنا الذي لم يتغير منا، وكم ندرك نحن الذين نعتقد أحياناً بحجم التغيير أن المستشفيات الحكومية والمطارات الداخلية والمنتزهات العامة هي من تحفظ لنا أكثر الوجوه الحقيقية من المواطنة، ولماذا يبدو التغيير الذي نعيشه مجرد شعور أو انطباع شخصي يبقى محكوما في حيزه الاجتماعي الصغير، ويعجز إحساسنا به أن يستمر لحظة خروجنا إلى أوساط اجتماعية أوسع وأبعد .
من نحن ؟ مدنيون أم بدويون أم ريفيون، مناطقيون محكومون بالمنطقة الجغرافية التي نرجع إليها، أم أننا طبقيون نتجاوز المناطق وتحكمنا المستويات الاقتصادية، أو أن القبلية وجذور التاريخ العائلي هي مصدر حكمنا الاجتماعي ومقياسنا على بعض وعلى أنفسنا، وهل تقدمت التيارات الفكرية فأخذت مساحتها في تقييم الناس وتقسيمهم اجتماعياً أيضاً، وهل يمكن أن نعتبر حاجتنا المستمرة الشعبية والثقافية على السواء في التصنيف بين ليبرالي / إسلامي / علماني / ملتزم / متزمت، ليست إلا حاجة ملحة لمعرفة بعضنا، هل نشعر باغتراب نفسي أو اجتماعي يدفعنا إلى تسمية بعضنا البعض، في محاولة بدائية للاحتفاظ بهوية خاصة من خلال آخر غيري، محاولة لتحديد الهوية الخاصة داخل الهوية العامة، بمعنى آخر هل يمكن الاعتبار بأن خمساً وسبعين عاما فقط وبمقياس العلوم السسيولوجية هي وقت سريع جداً جداً على الانتقال من الشتات الجغرافي والمجتمعات الصغيرة المنعزلة عن بعضها إلى الدولة الكبيرة المتصلة التي توحّد الجميع تحت هوية واحدة واسم واحد، هل يمكن الافتراض بأن تأسيس الدولة السعودية الذي انبثق من وفاق رجلين أو عائلتين كان متجاوزاً للحقيقة الاجتماعية لسكان الأرض التي تأسست عليها المملكة، بمعنى أدق كان الانتقال من التوزيع الجغرافي الكبير بمجتمعاته الصغيرة وبالحكم الخاص لكل منطقة، كان انتقالاً سريعاً إلى المركز الواحد والحكم الواحد والاسم الواحد .
هذا الانتقال نحو الهوية العامة لم يكن خطوة لاحقة لصراع الجماعات المختلفة وهوياتها الخاصة، لا لأنها كانت متصالحة بل لأنها لم تضطر من قبل إلى الالتقاء تحت أي سقف لتختلف تحته ولم تلتق فوق أي منطقة مشتركة لتتصارع عليها، هذه الجماعات العديدة والمتعددة الأعراف والأحكام والسنن والمذاهب، قد انتقلت إلى المجتمع الواحد بمركزية وحيدة ورؤيا متجاوزة، وهي المشكلة التي بدت لنا كثيراً في صورة واحدة هي الانتقال من البداوة إلى المدنية، بينما لم تكن كل الجماعات بدوية، كان منها الريفي والمدني أيضا، لكن البعد الزمني هنا كان قد ضاعف المشكلة، فالوقت كان قصيراً جداً لم تعرف فيه هذه الجماعات أو المجتمعات الصغيرة من ستشمله الهوية الجديدة ولماذا، لم تعرف القبيلة الواحدة لماذا أصبح نصف أفرادها سعوديين والنصف الآخر لم ينضموا إليهم، والمنطقة الواحدة لم يعرف الريفيون فيها أين منتهى قراهم الجغرافي كهوية جديدة، وليس جديداً مثل هذا القول، لكن هل فعلاً ندرك حجم وعمق أثر هذا في عقل الإنسان البسيط الذي أصبح محكوماً بما لا يعرفه هو ولا يعرفه أهله وقبيلته ولا منطقته بأكملها، هذا الإنسان الذي يشكل الجيل الأول من السعوديين، وكيف نشأ تحت هذا الأثر الجيل الثاني الذي يشكل معظم سكان المملكة اليوم، هذا ولم يجد أي محاولات لاحقة لتعريفه بالاسم الجديد الذي أصبح يحمله، ولا بالصورة الجديدة التي صار ملزماً بالاحتكام إليها في كل أحواله، صار عليه أن يهجر ما كان يعرفه إلى ما لا يعرفه، لقد اغترب عن نفسه ولم يزل .
ولهذا لم نزل إلى اليوم كمجتمع سعودي نعيش اغترابات مختلفة، معظمنا لا يعرف بعضه، وكلنا لا نعرف كلنا، لازلنا هويات صغيرة متفاوتة ومتقاطعة ومعزولة، لم نمثل أنفسنا أمام بعضنا ولم يقدم كل وسط نفسه للآخرين لا بالفنون ولا بالأعراف ولا بأي حالة مدنية، لا زال معظمنا يحتاج إلى هويته الصغيرة ليعرف نفسه من أي السعوديين هو، ولا زال معظمنا يحتاج إلى تعريف الآخرين بهذه الهوية الصغرى، المسألة ليست تعدداً طبقياً أو مناطقياً أو قبلياً فقط، ليست مشكلة انتقال بدوية إلى مدنية، ولا مجرد اختلافات فكرية وتفاوتاً في المواقف السياسية أو الدينية، المشكلة أن أفراد الجماعات لا يعرفون أنفسهم كسعوديين إلا خارج بلدهم وبجوازهم الأخضر فقط لا بالهوية السعودية، لكنهم داخل هذه البلاد لا يمتثلون هويتهم العامة ولا يتعرفون على أنفسهم إلا من خلال هوية صغرى تضاد غيرها وتحتفظ لنفسها بخصائصها.
لا زالت الجماعات كما كانت قبل الدولة لم تضطر واقعياً إلى التمازج ولا التداخل، لا زال التعارف غير قائم، تنسحب كل جماعة إلى واقعها الذي لا يتقاطع مع واقع غيرها، لا زالت تحاول حماية هويتها الخاصة كي لا تضيع في هذا الوسط الممتد الكبير الجديد، ليس لها الدافع لأن تتقدم فيه وتتداخل مع جماعاته الأخرى، ولأنها لا تعتقد بالمصير الواحد للجميع لا تهتم لمنافسة بعضها وكأنها لا ترى إلا نفسها والدولة، ولهذا تهتم لقسمتها من هذه الدولة التي ترعاها فقط، لا زالت معظم الجماعات لدينا رعية تريد راعيها، لا لأنها جماعات متخلفة أو غير متمدنة كما يختصر فيها القول، بل لأنها لا زالت على التوقيت السابق قبل الهوية الجمعية السعودية، مازال خوفها البدائي من الصورة الجديدة يحكمها، لا تثق بالجماعات الأخرى لأنها تمثل هوياتها الخاصة أيضا، لهذا هي هوياتنا الخاصة المختلفة داخل مجتمعنا الكبير الواحد ليست قوية بل ضعيفة وخائفة تتقوقع على نفسها، لا تتشارك ولم تتواصل ولم تتلاقح، ولهذا هويتنا العامة الواحدة مجهولة لا تجد من يتمثلها، لأنها قامت على المختلف غير المتعارف والجاهل بنفسه، ولهذا أيضا وجب عند القول نحن السعوديين السؤال التالي، من نقصد تحديداً، سعوديي الهوية أم جواز السفر؟
السعوديون هو اسم لهوية مدنية، والمدنية ليست أوراقاً ثبوتية كجواز سفر فقط، بل ثقافة وطنية يتعايش ويتشارك مواطنوها بإحساس داخلي عميق بهوية مشتركة ..
-
Lamia.swm@gmail.com