والله لقد صدمت صدمة عنيقة وقوية لموقف أو مواقف الشيخ يوسف القرضاوي، والملقب بعد انتفاضة 25 يناير.. [ آية الله القرضاوي ].. أريد في هذا المقال السريع أن أسعى إلى إيجاد حالة مقارنة مختصرة جداً بين صاحب الفضيلة والسماحة الشيخ الدكتور محمد متولي شعراوي، العالم، والفقيه، والمحدث والمثقف المصري الأشهر، -رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جنانه. أضع أمامكم نص الكلمة التي ارتجلها يوم عودة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ـ شفاه الله ـ إلى القاهرة بعد محاولة قتله في مدينة (اديس ابابا) الأفريقية يومها كان الشعراوي من ضمن الخاصة من العلماء والفقهاء الذين وقفوا للترحيب به وكان من بين الحضور فضيلة مفتي مصر ورئيس الأزهر الشريف. قال الشعراوي هذه الكلمة الرائعة التي شملت العديد والعديد من معاني النصحية والتحذير والتنبيه لولي الأمر، قالها بأخلاق العلماء ولياقة الفقهاء ودبلوماسية الناصحين قال:
((وإني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنيا لاستقبل أجل الله، فلن أختم حياتي باجتراء ولكني أقول كلمة للأمة حكومة وحزباً ومعارضة ورجالاً وشعب أسف أن يكون سلبيا أريد منهم أن يعلموا أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء فلا تآمر لأخذ ولا كيد في الوصول إليه فإن الحق سبحانه وتعالى عندما حكم حوار إبراهيم للنمرود..{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ..}. الله يريد أن يثبت قيوميته على قومه وأنا أنصح كل من يجول في أن يكون حاكماً أن لا يطلبه بل يجب أن تطلب له، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ومن طلب إلى شيء أعين عليه ومن طلب شيئاً وكل إليه).
فالملك حينما ينزله الله يقول: (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فلا تآخر على الله في ملك ولا كيد على الله في حكم لأنه لن يحكم أحد بملك الله إلا بما أراد الله؟. فإن كان عادلاً فقد نفع بعدله، وإن كان جائراً ظالماً بشعبه ظلماً وقبحه في نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم وإن لم يكن حاكماً.
ولذلك أقول للقوم جميعاً: إننا والحمد لله قد تأكد لنا صدق الله في كلامه بما جاء في الأحداث فكيف تفسر قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) وكيف كنا نفسر{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا}.
يا سيادة الرئيس آخر ما أحب أن أقوله لك ولعل هذا يكون آخر لقائي بك.
(إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحملنا)). انتهي نص الشعراوي.
ثم فوجئت كغيري من المسلمين موقف آية الله القرضاوي الذي انبرى يصرخ في قناة الجزيرة ضد الرئيس المصري السابق ويشتم ويقدح ولا ينتفذ، ولا ينصح، ولا.. ولا.. ولا؟.
وجاءت صدمتي الأكبر حين وصل إلى مصر وصلى بمن حضر في ميدان التحرير يوم الجمعة ليخطب خطبة سياسية ثورية غير مناسبة، وغير ملائمة ولا تليق بيوم الجمعة كما لا تليق بمكانة و أهمية وسمعة عالم في قيمته. لأن الخطبة كانت تعبر عن تصفية عنصر عن عناصر الإخوان المسلمين وهو القرضاوي مع النظام المصري الحاكم. وهي فرصة قوية انتقم فيها القرضاوي من كل خصومه في مصر. وأكد أنه من ضمن الإخوان المسلمين الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، و أستغرب كيف تكون حراسة مشددة للقرضاوي بهذه السرعة وهو الغائب عن مصر أكثر من ثلاثين سنة؟. سؤال محير ! ووضع أكثر حيرة !.
لماذا هذه الفتن من بعض علمائنا وفقهائنا الذين كنا نكن لهم الاحترام والتقدير والإجلال؟ . فإذا وصل حال علمائنا وفقهائنا لهذه الدرجة ! فماذا يكون حال الدهماء والبلطجية وعامة الناس من الأمة.
حمدت الله على قيام ثورة 25 يناير لينكشف معدن عالم مثل آية الله القرضاوي. والذي كنت أحسب أنه يعمل لآخرته وزهد في الحياة.
لم أكن أعتقد أن من ضمن تحولات المجتمع العربي أن يتحول حتى العلماء والفقهاء، ولم أكن أتوقع من آية الله القرضاوي أن يتجاوز كل المسلمات والذي يدعو إليها كل يوم في أحاديثه التلفزيونية، كما يدعو إلى احترام الاختلاف، وأنه يحترم الرأي الآخر.
كنت أتمنى على القرضاوي لو سمح للعقل بالوجود في زمن الأزمة والمواجهة والاستفزاز، فإنه إن فعل ذلك فيكون قد جلب معه لميدان التحرير أداة الدين والعقل والوعظ والإرشاد كإستراتيجية آمنة للمرحلة. لكنه غرس خنجراً في الخاصرة يغتال مستقبل الأمة. ثم عاد إلى وطنه قطر وكان قد وضع الخنجر في محله المطلوب. إن علاقته ببلده الأصلي مصر كانت قائمة على الشك لا على الثقة. وكان ينتظر الفرصة لينقض على فريسته.
أنا أرفض أن أعتبر حالة القرضاوي هي حالة فرد مع أنه من ضمن أمة، لذلك مسؤوليته تختلف عن حال أي جاهل آخر سكن وجلس وصرخ في ميدان التحرير بالقاهرة.
ما فعله القرضاوي هو نوع من أنواع الاستبداد الديني، ونوع مرفوض من الانتهازية الدينية، ونوع مرفوض من الإهانة لعالم الدين. جاء القرضاوي من قطر إلى مصر ليصلي فقط بمن سكن في ميدان التحرير. وكأن مصر قد خلت أو عقمت من علمائها وخطبائها الإجلاء والمشهورين مثل شيخ الأزهر.
أعود وأقول لكم عودوا لقراءة نص الشيخ محمد الشعراوي رحمه الله ـ لتعرفوا أخلاق العلماء الحقيقيين.. ثم عودوا إلى نص خطاب آية الله القرضاوي في قناة الجزيرة بعد أيام من قيام ثورة ليبيا على الطاغية معمر القذافي. تكلم القرضاوي ومما قاله: ((الله يلعن القذافي... وعليه لعنة الله....)). فهل مثل هذه الكلمات من أخلاق العلماء والفقهاء؟. ماذا أصاب أمتنا العربية؟. لا أعرف.. حقيقة نحتاج لنراجع كل أوضاعنا المختلفة.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
-
البريد: Zkutbi@hotmail.com - الموقع: www.z-kutbi.com
- مكة المكرمة