حوار - علي بن سعد القحطاني
عبدالرزاق عبدالواحد من أهم الشعراء المعاصرين في العراق ورغم بلوغه الثمانين عاماً ظلت قريحته تجود بالقصائد وسجّل طيلة تلك المرحلة مدوناته ورؤاه في المسيرة الإبداعية والأدبية بالعراق وكتبها على حلقات طويلة نشرت في جريدة الزمان اللندنية حتى قيل عن مذاكراته أنها أجود من شعره وإن كان شعره يوصف بالوفرة والجزالة، تتلمذ على عمالقة الشعر بالعراق فتأثر بالشاعرين محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب، له العديد من القصائد المجودة كقصيدة (يا شائك الأيك) التي ألقيت بدمشق في ذكرى بدوي الجبل وقصيدة (كالبحر صوتك) وقصائد أخرى، التقت (الثقافية) بالشاعر عبدالرزاق عبدالواحد أثناء زيارته للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية26) وتحدث لنا عن مدى تعلقه بـ(القرآن الكريم) و(ديوان المتنبي) ودواوينه التي بلغت ستاً وخمسين سفراً، حاز على أكثر من جائزة عالمية وأشار عبدالرزاق في الحوار إلى أن سلمى الجيوسى أجادت ترجمة قصائده إلى اللغة الإنجليزية كما أشاد عبدالرزاق بالأصوات الشعرية الجديدة في المشهد الثقافي السعودي.
المنجم اللغوي
نشأت في أسرة كل أفرادها من الشعراء،متى كتبت أول قصيدة شعرية؟ وهل كان لحفظ ديوان المتنبي دور في وفرة شعرك وجزالته؟
- أنت ترجع بي إلى سبعين سنة مضت أصدرت خلالها ست وخمسين (56) ديواناً وكتبت الشعر وأنا صغير طفلاً كنت، وربما كنت متأثراً بابنة خالي الشاعرة المشهورة لمياء عباس عمارة من أشهر الشاعرات العرب وكنا نعيش في بيت واحد، وبيتي ييت شعر وكانت الشاعرة لمياء تقول (أنا وعبدالرزاق عبدالواحد من بيت شعر واحد، أنا أرق منه وأغزل وهو أوفر عطاء وأجزل)،ونشرت لي أول قصيدة حينما كنت في الصف الرابع الثانوي نشرتها في أهم صحيفة في العراق -آنذاك- صحيفة الوطن في الصفحة الأخيرة، وقال أدونيس (إن عبدالرزاق أثرانا لغة)،وسئلت ما هو منجمك اللغوي فقلت عندي منجمان هما (القرآن الكريم) الذي حفظته وأنا صبي صغير وثانيهما (المتنبي العظيم) الذي حفظت ديوانه من الغلاف إلى الغلاف وأنا طالب الصف الأول من الكلية وهذا منجمي اللغوي ولذا فأنا أدعي أنني صاحب أكبر منجم لغوي ولهذا أستطيع أن أتصرف في شعري كما أشاء واثقاً من لغتي ثم تخصصت فيما بعد في دراسة الأدب العربي.
الأوزان الشعرية
ماذا عن الأوزان الشعرية وإجادتك للعزف على المنظومة الخليلية والقصيدة الجديدة؟
ـ الشاعر لا يصبح شاعراً بحفظه للأوزان الخليلية، لأن الشاعر امرؤ القيس لما كتب قصائده لم يكن يعرف أوزان الخليل ولا الشعراء الجاهلية كان عندهم خبر بأوزان الخليل التي صنفت تصنيفاً علمياً في العصر العباسي، لكني بدأت أكتب كما قلت لك في الثانية عشرة من عمري والآن أبلغ الثانية والثامنة أي خلال سبعين سنة طبعت ست وخمسين (56) ديواناً وحزت على وسام العالم ثلاث مرات وكنت أول شاعر عربي يأخذ جائزة صدام في العراق يعني أنتجت بكثرة وتأثري كان بالمتنبي بالدرجة الأولى وكنت أشاكسه وأنا طالب أعارض قصائده وشيخي الذي أحبه الشاعر الجواهري وكان يحبني أكثر من أولاده وكنت ملازماً له وصديقي الذي أثر بي مبكراً هو السياب الذي كتب قصيدة التفعيلة وأنا غالباً أكتب بالشكلين (العمودي- التفعيلة).
الألم..المعاناة
هل ورثت الألم والمعاناة من الشاعر بدر شاكر السياب كما ترسمها في لوحات قصيدتك (كالبحر صوتك)؟ نجد أن مفرداتها موغلة في الأوجاع والآلام؟
ـ السياب ورث عن العراق بكائياته الموغلة في قعر التاريخ والعراق تاريخه باكٍ منذ بداياته وإلى نهاياته فالسياب والجواهري متأثرون بالوجع العراقي وما نكتبه من وجع هو تأثر بالوجع العراقي وقصائدي الآن هي كلها دم ودموع على ما يحصل في العراق خصوصاً وأنا أعيش بعيداً عنه في المنفى.
الترجمة
ترجمت لك العديد من القصائد إلى أكثر من لغة، برأيك هل الترجمة تفسد روح الشعر؟
ـ هذه الترجمات حصلت بكثرة وفي مناسبات متعددة فالدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي وابنتها الدكتورة لينا الجيوسي والشاعرة الأمريكية ديانا هوفاسيان قمن بترجمة قصائدي إلى اللغة الإنجليزية وعندما حزت على ميدالية (القصيدة الذهبية) في مهرجان ستروكا الشعري العالمي في يوغسلافيا سنة 1986م ترجمت لي 4000 بيت من الشعر إلى اللغة اليوغسلافية كما ترجمت قصائدي إلى اللغة الفنلندية وغيرها من اللغات الأخرى وأؤكد هنا أن ترجمة الشعر صعبة والشعر لعبة لغوية عظيمة وعندما يترجم يفقد جمالية اللغة،يفقد،إيقاعاته الموسيقية ويفقد الصور ويتحول حينها إلى كلام عادي.
الصوت..الصدى
لكن ربما لدى المتلقي الغربي فطنة وذكاء يدرك هذا القصور ويتجازوها أم أنه يقف عند حدود الترجمة الحرفية فقط؟
ـ ربما. إذا كان المترجم جيدا أنا حكى لي إبراهيم جبرا إبراهيم الله يرحمه وأثنى على ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي لقصائدي وقال كانت الترجمة رائعة كأنها شعر إنجليزي.
الشعر العراقي الجديد
تقييمك للشعر العراقي الجديد هل هناك تواصل مع الرواد أم أن هناك قطيعة؟
ـ أنا في العراق لا أخاف على الشعر لأني تركت العراق وربيت فيه أحد وعشرين شاعراً والآن هم عمالقة في الشعر صاروا أساتذة جامعات وكانت عندهم ندوة أسموها ندوة عبدالرزاق عبدالواحد الشعرية وكنت أعيش معهم ونناقش بعضنا في شعرنا حتى اكتملوا وصاروا شعراء حقيقيين وأذكر من أسمائهم الشاعر وليد الصراف، الشاعر محمد البغدادي الشاعر بسام صالح وهؤلاء نهض الشعر العراقي الحديث على أيديهم.
القصيدة السياسية
هل القصيدة السياسية الساخرة حاضرة بقوة في العراق؟
ـ كتبت مجموعة من الأراجيز فيها نقد اجتماعي ونقد سياسي ونقد ثقافي وأنا أحد أكثر المشهورين في هذا العمل وكتبت أكثر من عشرين أرجوزة في هذا المجال، ونجد مثلا مظفر النواب شاعر قاسٍ عندما يكتب وهو أجمل من كتب في الشعر الشعبي في العراق بل وفي الوطن العربي أما قصائده الفصيحة ففعلاً قصائد عبارة عن شتائم. ولا ألجا إلى الرمز في كتابة القصائد وإنما أتحدث مباشرة.
الشعراء السعوديون
كيف تواصلك مع الشعراء السعوديين؟
ـ حضرت إلى المهرحان الوطني للتراث والثقافة عام 1989للمرة الأولى وها أنا أعود إليها الآن بعد عشرين سنة (جنادرية26) ونحن في العراق طيلة العشرين سنة الماضية مورس علينا الحصار فانقطع عنا وما يصل إلينا من كتاب ولي أصدقاء من الشعراء السعوديين الصيخان ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري وهؤلاء أصحابي من أيام مهرجان المربد.
المثقف العراقي
هل الأكاديمي والمثقف العراقي ما يزال يحافظ على تسيده في الثقافة العربية أم أنه غيب بسبب الظروف السيئة طيلة العشرين العام الماضية؟
ـ 50% من الأكاديميين العراقيين قتلوا وخاصة الأكاديميين العلميين تعرضوا للإبادة أما 50% فتشتتوا في بقاع الأرض وما عادت لهم وحدة كيان بل صاروا فرادى موزعين في دول أوربية وبلدان عربية والآن العراق منكوب بشكل قاسٍ مطعون تماما ينزف دما وإن كان له من أثر في الثقافة العربية فهو أثر الدم الآن الذي ينزف ويسقي الوجع العراقي.
مذكرات
مذكراتك وسيرتك الذاتية ألم تجذبك لكتابتها؟
ـ عندي حلقات وسلسلات كثيرة كتبتها عن سيرتي الذاتية تصل إلى مائتي حلقة نشرت أكثر من نصفها في جريدة الزمان اللندنية وقال البعض عنها إن مذكرات عبدالرزاق عبدالواحد تبدو أجمل حتى من شعره.
-