كان
مما أنكر على الكتاب المحدَثين جمعهم بين (نائب الفاعل) و(الفاعل) متأثرين بتركيب
اللغة الإنجليزية، ومن ذلك قولهم "وأطيح به لاحقًا من قبل الدوريات الأمنية ممثلة
في الدوريات السرية" (1)، فالدوريات هي الفاعل لأنها من أطاح به، وهذا التركيب
الحديث يشكل من جهة أخرى وهي أنه يجعل الجار والمجرور بلا متعلق، ولو تعلق بشيء
لكان فضلة. والقاعدة المشهورة المبنية على ما اطرد من الاستعمال العربي أن البناء
للمفعول يقتضي تغيرًا تصريفيًّا ينال بنية الفعل وتغيرًا تركيبيًّا ينال الفاعل بأن
يحذف ولا يخلفه ما يدل عليه ويرفع المفعول به أو ما يقوم مقام المفعول به، ثم إن
الجملة المحولة للبناء للمجهول لا يقحم فيها جديد غير ما حولت عنه. وكان أن سوّغ
أحد الزملاء اللغويين هذا الاستعمال مستشهدًا بقوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ
أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(178-البقرة)؛ ولكن هذا لا يستقيم من
جهة المعنى ولا المبنى، لأن ذكر الفاعل يفوت الغرض الذي من أجله صيغ الفعل للمفعول،
والأخ الوارد في الآية هو القتيل أو صاحب الحق، وقد فسر معنى (من أخيه) بأنه (من دم
أخيه)؛ أي عُفي له شيء من دم أخيه، جاء في (إعراب القرآن للنحاس، 1: 2) "لأن معناه
تُرك له شيء من أخيه، أي من حق أخيه، ثم حذف المضاف وقدم الظرف الذي هو صفة للنكرة
عليها؛ فانتصب على الحال"، وجاء في (تفسير البحر المحيط لأبي حيان (2: 148)
"وارتفاع (مَن) على الابتداء وهي شرطية أو موصولة، والظاهر أن: (من) هو القاتل
والضمير في (لَهُ) و(مِنْ أَخِيهِ) عائد عليه، وَشَيْءٍ: هو المفعول الذي لم يسم
فاعله [نائب الفاعل]، وهو معنى المصدر، وبُني (عفا) للمفعول، وإن كان لازما، لأن
اللازم يتعدى إلى المصدر كقوله: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)
«13-الحاقة»، والأخ هو المقتول، أي: من دم أخيه أو ولي الدم، وسماه أخًا للقاتل
اعتبارًا بأخوة الإسلام". ونحو هذا الإعراب جاء في (إعراب القرآن الكريم وبيانه،
لمحي الدين الدرويش، 2: 228)، قال: (عُفِيَ) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول في محلّ جزم
فعل الشرط (لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بعُفي (مِنْ أَخيهِ) الجار والمجرور
متعلقان بمحذوف حال، أي: حالة كونه من دم أخيه (شَيْءٌ) نائب فاعل عُفي". ولعله
يمكن القول إن الفعل (عُفِي) ضمن معنى (تُرِك) حسب قول النحاس وأن (من أخيه = دم/حق
أخيه) متعلق بعُفي المتعدي؛ فالمعنى: فمن تُرك له من دم أخيه شيء. وبناء على كل
الأعاريب السابقة لا شاهد في هذه الآية للجمع بين نائب الفعل والفاعل.
وتوقف بعضهم عند قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ)(78-المائدة)، قال القرطبي (الجامع لأحكام القرآن، 2: 252): "أي لعنوا
في الزبور والإنجيل ؛ فإن الزبور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى أي لعنهم الله في
الكتابين". فالفاعل هو الله، أما (على لسان داود وعيسى) فمتعلق بالفعل (لعن) عند
العكبري (التبيان، 1: 454) أو حال عند السمين (الدر المصون، 1: 1435).
وتوقفوا عند قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ
فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ
تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ
وَإِيتَاء الزَّكَاة) (36، 37- النور)؛ إذ قرأ عاصم (يُسَبَّح)؛ قال الفراء (معاني
القرآن، 2: 253) " قرأ الناس بكسر الباء. وقرأ عاصم (يُسَبَّحُ) بفتح الباء. فمن
قال (يُسَبَّحُ) رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يُسبِّح له رجال لا تلهيهم
تجارة. ومن قال (يُسَبِّحُ) بالكسر جعله فعلا للرجال ولم يضمر سواه".
والمنتهى إليه أنّ ورود أمثلة قليلة تخالف القاعدة لا ينقضها ولا يبيح مخالفتها؛
لأن التقعيد مبناه على جمهرة الاستعمال، وأما ما سواه فمن مسموع اللغة التي هي أعمّ
من قواعدها.
(1) صحيفة أخبار الطائف، الثلاثاء 18-1-2011م
http://www.333z.com/news-action-show-id-45.htm
الرياض