1 - قال أبو بكر بن السراج (ت 316 هـ) في «أصوله»: (وقال الأخفش: النُّدبة لا يعرفها كلُّ العرب، وإنما هي من كلام النساء).
2- قالَ أبو عليٍّ القالي (ت 356 هـ) في «أماليه»: «ما له سبِدَ نحرُه، ووبِد» أي: سبِدَ من الوجد على المال، والكسب، لا يجِدُ شيئًا. وقد سبِدَ الرجلُ، ووبِدَ: إذا لم يكن عنده شيءٌ. وهو رجلٌ سبِدٌ. قاله أبو صاعد. وقال أبو الغمراء: إنما نعرفه من دعاء النِّساء «ما لها سبِد نحرُها»).
قلتُ:
قوله: (أبو الغمراء) كذا في مطبوعة الأمالي. وفي «المزهر» للسيوطي (ت 911 هـ) نقلاً عن «الأمالي»: أبو عَمْر. وكلاهما تصحيفٌ. وليس أحدٌ من العلماء، أو الرواة يُعرَف بهذا الاسمِ. والصواب: أبو الغَمْر. وهو وأبو صاعد أعرابيَّان فصيحان من بني كلابٍ قدِمَا بغدادَ، وروَى عنهما أبو عَمْرٍ الشيبانيّ (ت 213 هـ)، وابنُ السكِّيت (ت 244 هـ). توفِّيَا بعد المئتين.
ويظهر أن أبا عليٍّ نقلَ هذا النصَّ من كتاب ثعلب (ت 291 هـ) «الأيمان والدواهي». وهو مفقود. ولعلَّ ثعلبًا اقتبسَه من «نوادر» أبي عَمْر الشيبانيِّ، وقد كان تلقَّاها روايةً عنه من طريق ابنِه عَمْرٍ (ت 231 هـ)، أو اقتبسَه من كتابٍ آخَرَ من كتبه المفقودة.
3- قالَ أبو الفرج النديمُ (ت 380 هـ) في «فهرسته»: (وكان في خِزانة المأمون كتابٌ بخطِّ عبد المطلب بن هاشم في جلد أدَمٍ فيه: (ذِكْرُ حقّ عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان بن فلان الحميري من أهل وزل صنعاء، عليه ألف درهم فضة كيلاً بالحديدة. ومتى دعاه بها أجابه. شهِد الله والملَكان). قالَ: وكان الخطُّ يشبه خطَّ النساء).
قلتُ:
قوله: (وزل) كذا في نشرة أيمن فؤاد سيد للكتاب. وهي مصحَّفة عن (زَوْل)، نصَّ علَى ذلك ابن خالويه (ت 370 هـ) في تعليقه على «العشرات في غريب اللغة» لأبي عمر الزاهد (ت 345 هـ)، قالَ: (والزَّوْل: اسم مكان باليمن، وُجِد بخط عبد المطلب بن هاشم، وأنهم وصلوا إلى زول صنعاء).
4- قال أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ) في «إعجاز القرآن» بعقِبِ سياقتِه لبيت امرئ القيس:
ويومَ دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنيزةٍ
فقالت: لكَ الويلاتُ، إنك مُرجِلي!
قالَ: (وقولُه في المصراع الأخير من هذا البيت: «فقالت: لك الويلات، إنك مرجلي» كلامٌ مؤنَّثٌ من كلام النساء).
قلتُ:
هذه النصوص التي عرضتُها لك تنبئك أنَّ للنِّساء في الكلامِ، والخطِّ مذاهبَ، وأنماطًا فارقَت بها الرِّجالَ. وهو أمرٌ عرفَه العلماءُ المتقدِّمونَ، وفطنوا له، وما زالَ اليومَ قائِمًا مشاهدًا، فإنَّك تجِد للنِّساء ضروبًا من الأدعية لا يقولُها الرِّجالُ. وهنَّ بذلكَ أطلقُ لسانًا، وأكثرُ تصرُّفًا، ولا سيَّما العجائز منهنَّ. ومثلُ ذلكَ الخطُّ، فإنك لترَى الخطَّ لا تعرِف كاتبَه، فستَدلُّ بصورته علَى أنه خطُّ امرأةٍ. وذلكَ أنهنَّ في الجملة أقلُّ تجويدًا لصورِ الحروفِ، وحدودِها، وزواياها من الرِّجالِ، لِمَا فُطِرن عليه من الرِّقَّة، والتأوُّد، والخطُّ يَحتاج إلى يدٍ محكَمةِ القبضةِ، متماسِكة الأنامِل، مأمونة الاختلاجِ. ولذلك كانت النِّساء في الرسمِ أمهرَ منهنَّ في الخطِّ، إذْ كانَ الرسمُ أقلَّ حدودًا، وزوايا، معَ ما ينطوي عليه من الحسِّ الحديدِ، والخيالِ المحلِّق. وذلكَ من مَّا رُكِّبَ في طباعهنَّ، وسبقْنَ به الرِّجالَ. كما أنَّ غلبةَ العاطفةِ عليهنَّ جعلَتهنَّ عندَ المصيبةِ أسرعَ دموعًا، وأكثرَ نُدبةً، وعويلاً، حتى زعمَ أبو الحسن الأخفش أنَّ الندبةَ من كلامِ النِّساء. وهذا وإن كانَ مدفوعًا بالشواهدِ الصحيحةِ على صدور النُّدبة من الرجالِ، فإنَّه دالٌّ على شيوعِها فيهنَّ.
faysalmansour@gmail.com