* قد راقتك وكثُرت عندك، ووجدتَ لها اهتزازًا في نفسك، فعُدْ فانظرْ في السبب واستقْصِ في النظر، فإنك تعلم ضرورةً أنْ ليس إلا أنّه قدّم وأخّر، وعرّف ونكّر، وحذف وأضمر، وأعاد وكرّر، وتوخّى على الجملة وجهًا من الوجوه التي يقتضيها (علم النحو)، فأصاب في ذلك كله، ثم لطّف موضع صوابه، وأتى مأْتًى يُوجب الفضيلة» (4).
ومن هنا نعلم أنّ صحة إعراب الكلام متابعة لمقتضى العامل لا تكفي بيانًا لفصاحته أو بيانه حتى يكون صحيح النَّظْم، وهو أمر نبه إليه إمام العربية في كتابه فقال في (باب الاستقامة من الكلام والإحالة): «فمنه مستقيم حسن، ومحال، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذب. فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتُك أمس وسآتيك غدًا. وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول: أتيتك غدًا، وسآتيك أمسِ. وأما المستقيم الكذب فقولك: حملْتُ الجبلَ، وشربْتُ ماءَ البحر، ونحوه. وأمّا المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه، نحو قولك: قد زيدًا رأيت، وكي زيدٌ يأتيَك، وأشباه هذا. وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماءَ البحر أمسِ» (5). وكما ترى كلّ الجمل التي ذكرها سيبويه ليس فيها خطأ في علامات الإعراب، ولكن ذلك لم يشفع لها في تصنيفها في مدرج الكلام حسنًا وقبحًا، صحةً وكذبًا، تحققًا واستحالة. والمنتهى إليه أن الصواب والفصاحة والبيان مرهون كل ذلك بمقتضى نظريتي العمل والنَّظْم.
***
(1) الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص81.
(2) السابق،ص 82.
(3) السابق،ص 84.
(4) السابق،ص 84.
(5) سيبويه، الكتاب، ص26.
الرياض