«كل مثقف ليس موجِدا بالضرورة، لكن كل مثقف هو موجود بالضرورة؛ إنه صراع «القيمة والسلعة» عندما يمثلهما رمزا واحدا. أو هكذا أعتقد.
«تكلم حتى أراك» فالكلمة رؤية والرأي موقف، والموقف إعلان وجود، وكل ممثل لموقف هو شريعة وقانون،لذلك تعدّ الثقافة شريعة اجتماعية لأنها تملك ممثلات الموقف التي تشرع القوانين والقيم، وبالتالي يرث فاعل الثقافة حق أصل المصدر التأثير والتشريع.
وهكذا يُصبح كل مثقف على اعتبار «فلسفة الفاعلية» مُوجد لموجود مختلف من خلال التأثير والتغير.
هذه هي «فلسفة الفاعلية « باعتبار أن «القيمة مُنتًجة» وهو الاعتبار الذي يُشرع «الاستحقاق المطلق «لصاحبها،السلطة والتغير.
لكن ليس بالضرورة أن ما يُعتبر قيمة يقين يُثبّت قيمة تمثيل،وفي ضوء عدم الالتزام بما هو ضروري أو التخفيف عنه بالتجاوز نفقد شرط الكفاءة والكفاية في نظام الصفة. وهو ما يُخل بميزان «ميّزة قيمة المُوجِد».
ولا شك أن كل مُوجِد بالمحاكاة « الحقيقة» أو بالقوة يحمل قيمة كامنة، والتفاضل على هذا المستوى لا يقوم على «فرضية وجود القيمة كأصل مشترك « لأن التفاضل لا يهتم بتحقيق ما هو أصلي،بل يهتم بالقدرة المُضافة إلى ما هو أصلي « الوجود بالقوة» مثل «المثقف» فهو ينتمي إلى «الوجود بالقوة» المتضمن كفاية وكفاءة الإنتاج.
وبذلك يمكن تقسيم حلقة التواجد إلى ثلاثة عناصر، الآنية والفاعلية والأدائية، وما يميز «الوجود بالقوة» و»الوجود بالحقيقة» هو ممثل القدرة.
أما ما هو ممثل القدرة المضافة؟ فهو الفاعلية، ولا تشمل الأدائية حكم الفاعلية على مستوى الخصائص، بل يشملها الحكم على مستوى التنفيذ، فهما يشتركان في الكم بمعنى عدد المنفذين والتشابه في طرق التنفيذ ويختلفان في الكيف القدرة على الإنشاء والتطور والإضافة. وخصائص الفاعلية هي «التأثير والتغير والإنتاج»، وهما أيضا خصائص «الوجود بالقوة».
وبالتالي فكل «مثقف بالقوة» هو ممارِس بالتبعية لخصائص الفاعلية التأثير والتغير والإنتاج. وكل مثقف يملك خصائص الفاعلية هو «مثقف مُوجِد» يعني «أنا مثقف إذن أنا مُوجِد»، وكل مثقف يملك حق الثقافة وليس حق خصائص فاعليتها اختيارا أو جبرا هو «مثقف مُؤد» يعني أنا مثقف إذن أنا موجود لا مُوجِد».
ولذلك فليس كل مُؤدي هو فاعل بالاشتراط، لكن كل فاعل هو مؤدي بالاشتراط، وكلاهما ينتميان إلى مصدر واحد وما يميز بينهما القدرة والإضافة، وكذلك الأمر إلى مجموع الفواعل، فهم بدورهم يخضعون لتفاضل مع أنهم ينتجون القدرة ذاتها،والتفاضل هنا ليس مبنيا على «وجود القدرة من عدمها» فذلك هو معيار التفاضل بين «الفاعل والمؤدي» بل مبنيا في ضوء «وجود قدرة عامة «وتراتبية التفاضل تكمن في «شرطي جدّة وجودة» تلك القدرة وسرعتها في «التأثير والتغير» سواء على مجموع الفاعلية، أو مجموع الأدائية.
والقدرة على الفاعلية بدورها تلزم «حصانة حقوقية» مختلفة عن «مجموع الأدائية» لكنها ليست إضافية، لأن الإضافة هنا تدفع «للتمييز»، في حين أن الحصانة الحقوقية ليست «تمييزا» إنما «تقديرا للفاعلية» التي تنتمي إلى «حكم فرض الكفاية»، حكم ما يدخل في إطار النخبويات لأن المثقف المُوجِد الذي يُفكك الوقائع ويُعيد استراتيجية تركيبها غالبا هو عرضة لتصفية ثقافية عبر الإقصاء والاضطهاد،ولذلك وجب حمايته من خلال «حصانة حقوقية» كافلة لينشر معطيات فاعلية «المُوجِد» و» حصانة تأمينية» كافلة لرفع الضرر عنه وقت تنفيذ تلك المعطيات، حتى يستطيع أن يُصبح المثقف «قيمة وفق المُوجِد» لأن غياب تلك الحصانتين تُخرج المثقف من «وجود الفاعلية» إلى «وجود الأدائية»، وحينها يُصبح المثقف مجرد «سلعة وفق الموجود»،بدلا من أن يكون «قيمة وفق المُوجِد».
فالتحول من « المُوجِد إلى الموجود» من «القيمة إلى السلعة» غالبا ما يكون إجباريا خارج إرادة المثقف الذي يتحول في المجتمعات التي لا تؤمن «بشرعيّة الثقافة» إلى جزء من «نظام التشيؤ» من «نظام الاستهلاك» ليصبح المثقف مجرد سلعة قابلة للبيع والشراء، فقد حريته وإيمانه بدور المُوجِد، بل ودخل في شكيّة القيمة الخاصة به، فلم يعدّ يثق في إيمانه بقيمته كمُوجِد ومنتِج للموجود، بل بدأ يقينه أقرب كونه «موجود بالتشيؤ» من كونه «هو المُوجِد للتشيؤ».
ولذلك وجب علينا معشر المثقفين أن نسأل أنفسنا هل نحن مثقفون وفق المُوجِد أو الموجود»؛ سلعة أو قيمة»؟.
وقفة:
كل مثقف بالمًوجِد «بني بالفاعلية».
جدة
* sehama71@gmail.com