بقدر جهدك في الحصول على شيء أو تحقيق شيء يكون حرصك في العناية به أو الخوف عليه، ومن عانى في سبيل امتلاك أدوات مهنته ستجده يموت إن أخطأ فيها..!
كذلك هي (الكتابة) بنظري لها وإيماني بها. ولأنّ امتلاكي أدواتها لم يأتِ بتلقين جاهز من مؤسسة (تعليمية).. أجدني - صدقاً - لا أستطيع التغاضي عن (أخطاء صغيرة) قد لا يلتفت إليها أحدٌ غيري!
بعد هذا التمهيد الموجز سأشيد بالجهد الذي يبذله الزميل الأديب والصديق خالد أحمد اليوسف، طيلة كل عام، في رصده الأعمال المنشورة في كتب من أجل تقديم (الببليوجرافيا) التي اعتدنا عليها منه في نهاية كل عام ميلاديّ، وقد حرصتُ على قراءتها منشورة هنا في الجزيرة الثقافية عدد الخميس الماضي، غير أن (الحرص) يدفعني إلى ملاحظة صغيرة، قد لا تستحقّ حتى العتب! ولكني لم أجد بدّاً منها.. ففي رصد الأستاذ خالد لديواني الأخير (حوار الليل ونجمة الصبح) ذكر أنه صادر عن (دار المفردات بالرياض)، ولو أنه ذكر أيّ دار أخرى غير (المفردات) لما كتبتُ هذه المقالة، لماذا؟
قبل أكثر من عام كتبتُ مقالة في الجزيرة أيضاً، عنوانها (عندما يكون الأديبُ ناشراً)، تحدثتُ فيها عن الأديب والصديق الكبير عبد الرحيم الأحمدي حديثاً يمتلئ بالمحبة والتقدير لهذا الرجل، وأثنيت عليه، وامتدحتُ شخصه وجهده وأدبه ودوره في حركة النشر المحليّ، ودعمه للأديبات والأدباء من الأجيال الجديدة، إضافة إلى مساهمته في إصدار موسوعة الأدب وترجمة مختارات منها، ودليل الأدباء، وإصدارات أخرى في غاية الأهمية أنجزت من خلال دار النشر التي يمتلكها (دار المفردات)، وختمتُ تلك المقالة بالإشارة على أنني (لم) و(لن) أنشر كتاباً في داره (المفردات) حتى لا يظنّ أحدُ القاصرين ذهنياً أنني قلت ما قلت من أجل أن يعتني بما أنشره في داره! وهذا هو الآن الأستاذ خالد اليوسف قد جعلني في دراسته الببليوجرافية - بخطأ صغير، ومن دون أن يقصد طبعاً - أخالف ما قلته في تلك المقالة، مع أني (لم) و(لن) أخالف حرفاً مما قلتُ وسأقول..!
فالديوان الأخير (حوار الليل ونجمة الصبح) صادرٌ عن دار (الفارابي) في بيروت، ولا علاقة له بدار (المفردات) في الرياض، والخطأ الصغير هذا في الرصد الببليوجرافي للأستاذ خالد اليوسف قد يصغرني في عين من قرأ مقالتي تلك ثم يقرأ الرصد الببليوجرافي من دون الاطلاع على نسخة من الديوان؛ لذا كان لا بدّ من هذا التصويب..
ويعلم الله أنني لستُ ممن يتصيدون لغيرهم (أخطاء صغيرة) كهذه - ولا حتى كبيرة! - بخاصة في عمل يتطلبُ جهوداً جبارة كالتي يقوم بها الأستاذ خالد، ولا يهدف من ورائها سوى خدمة الأدب والأدباء، وهو يعرف تقديري لعمله جيداً منذ أن كان رصده يتتبع ما ينشره الأدباء في الصحف المحلية والعربية، وكان ينشر زاوية (الراصد) شهرياً هنا في الجزيرة قبل عشرين عاماً تقريباً، وكنتُ من المتابعين والمباركين لجهوده في متابعة كل ما تنشره الصحف، فكيف به الآن وهو يتابع كل ما يخرج من مطابع العالم..؟!
حرصي على عملي إذاً هو الذي دفعني لتصحيح المعلومة عن كتابي الأخير؛ لأن الخطأ قد جاء على (حساسية) مسبقة وعهد مقطوع سلفاً. أمّا التمهيد الموجز في بداية مقالتي هذه فأنا لم أقصد به سوى نفسي في محاسبتي لها على أيّ خطأ أو محاسبتها لي، سيّان!
وسأضربُ مثلاً للحرص الذي يصل بي إلى مشارف الضجر، وكان ميدانه العدد نفسه من هذه الثقافية(!) فأقول: أثناء كتابتي مقالة الأسبوع الماضي (هو الشعر)، وفي عبارة من المقالة تتحدث عن مرحلة من مراحل ازدهار التوثيق للشعر العربيّ ذكرتُ: (وصارت أوزانه وقوافيه حقلاً من العلوم) ثم في مراجعتي الأخيرة غيّرتُ في العبارة فجعلتها (وصار لأوزانه وقوافيه..) دون أن أنتبه لما أصبح فاعلاً (الحقلُ) فأرسلتُ المقالة - بالإيميل - إلى إدارة تحرير الجزيرة الثقافية، وكعادتي في مراجعة ما أرسله للنشر فور إرساله للتأكد والاطمئنان فحصتُ ما أرسلتُ؛ ففوجئتُ بالخطأ النحوي في الجملة (وصار لأوزانه وقوافيه "حقلاً" من العلوم) فأصلحت الخطأ فوراً وغيرتُ (حقلاً) ليكون الفاعل (حقلٌ) وفعله صار.. وأعدتُ إرسال المقالة بعد مضي أربع دقائق فقط من إرسالها الأول، مع عبارة (هنا النسخة الصحيحة للمقالة)!
ولأن الخطأ الأول كان مني واستعجالي في الإرسال لم يشفع له عندي تسارعي بالتصحيح وإعادة الإرسال، ولأنني لستُ من النوع الذي يتصل هاتفياً لأسباب قد لا تبدو ذات أهمية إلا في نظره! هل يصدقني أحدٌ حين أقول: ظللتُ بقية الأسبوع في قلق وتوتر وأنا أنتظر يوم (الخميس) لأرى المقالة وأتأكد إن كانت النسخة الصحيحة قد اعتمدت للنشر أو أن النشر كان للأولى الخاطئة؟؟
ظللتُ خمسة أيام من الأسبوع الماضي أتذكّر بداياتي المتعثرة مع الكتابة في مطلع شبابي، وكيف كنتُ أعلّم نفسي وأؤدّبها بالبحث عن اللغة (الصحيحة) في كتابات الأدباء، بخاصة الشعراء عندما يكتبون نثراً؛ لأنني كنتُ - ولا أزال - على ثقة بأن الشعراء هم أكثر الناس معرفة بأسرار اللغة، فإن كانوا في أشعارهم يتجاوزون قوانين اللغة الطبيعية فإنهم في كتاباتهم النثرية أكثر الناس حرصاً على انضباط تلك القوانين!
كنتُ أؤنب نفسي قبل وقوع ما يستحق التأنيب، فأقول: ماذا لو كان أحد الشباب صغار السن والمعرفة يحاول الآن كتابة جملة مشابهة للجملة الخاطئة ضمن مقالتي، فأخذ عني الخطأ وهو يحسن الظنّ بما أكتب؟ هل كنتُ سأغفر لمن كنتُ آخذ عنهم اللغة حين أكتشفُ أنهم كانوا غير حريصين على صحة اللغة في كتاباتهم؟؟
أفكار وهواجس وأصناف من القلق والتوتر والريبة والترقب كانت تلتف بي منذ إرسال مقالتي تلك (يوم سبت) حتى رأيتها منشورة (يوم الخميس) بنسختها (الصحيحة) ولله الحمد، فكنتُ بها فرحاً مبتهجاً محتفلاً كمن كان على حافة كارثة فنجا منها!
ختاماً أقول: لا يوجد في الثقافة والأدب خطأ كبير وخطأ صغير؛ فالخطأ خطأ، وتصويبه قد لا يجدي بعد فوات الأوان.
الرياض
ffnff69@hotmail.com