حين يكتب كاتب شمولي في النقد والفكر سيكون ذلك محرضًا على الكتابة في مساحات أوسع في الحياة الثقافية، هذا ما توجهت له الكاتبة سالمة الموشي، إيمانًا منها بحرية الفكر وأن المعرفة لا تصنف وليست حكرًا على فئة دون الأخرى، وفيما يشبه التحرك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، نجد أن كتاب «نساء تحت العرش»، وهو الإصدار الثاني للكاتبة تبحث فيه عن مرتكزات دينية لمسألتها، إنما على طريقة الكاتبة في التساؤلات الكبرى والمحاجات التي يصعب تجاهلها، تقول الكاتبة: إنه بقيت الكثير من الحقائق مجيرة، والموروث المكرس لتعزيز تصور المرأة ناقصة العقل هو نفسه منتقى وقديم، كما أن الذهنية الإسقاطية عند الوعي الذكوري عملت على فصل العقل عن ذات المرأة وسرت هذه الأيدلوجية في سياق ديني فهم ظاهره، وليس واقع حاله.
إنها الفكرة المحورية التي يدور حولها كتاب نساء تحت العرش - أيها النقصان من رآك) الصادر في 2011 للكاتبة سالمة الموشي.
في مقدمة تمهيدية توضح الكاتبة أنه تصبح الصعوبة بالغة عندما نكتب لإقناع الآخرين عن طريق عقولهم، إذ تبدو لهم الآراء ضد مشاعرهم وميولهم ولاسيما إذا كانت هذه الميول تغلب جانب العادات والموروث أكثر من تغليب العقل والحكمة، مؤكدة على أن إثبات الإنسان لقدرات طاقة العقل هو إثبات لوجود الله»، بهذه العبارة بدت الكاتبة صفحتها الأولى، إذ يتجه الكتاب إلى قراءة فكرية للمرجعيات الدينية والذهنية والفكرية في مسألة الانتقاص من عقل النساء وأهليتهن في مجتمعاتنا العربية المحكومة بالموروث الثقافي والديني، بحيث يشير الكتاب إلى أن منطق كون العقل الكامل هو عقل مجنس وذكوري على الأخص هو منطق غير مبرر وأن «قاعدة الانتقاص» تلك قد نالت من عقل النساء في الصميم، كما نالت من وجودهن وتطورهن الفكري الإنساني واحتوى الكتاب «أيها لنقصان من رآك - نساء تحت العرش» على خمسة فصول بدءًا بالعقل قلب الوجود، والبنية العقلية، ونساء تحت العرش، واختطاف عقل المرأة تاريخيًا ثم التوقف عند الفصل الأخير تحت عنوان قاعدة الانتقاص.
قلب الوجود هو الإنسان الكامل هذا ما يقوله ابن عربي. ومن هذا المنطلق تدلف الكاتبة إلى ربط هذا الكمال بما تم سلبه من النساء ووصمهن بالنقصان في حين إن العقل هو موقف الإنسان من الحياة ومن الوجود وأن مكانته في القرآن جاءت على أساس ترسيخ أنه الكائن المكلف الذي يعقل ويفكر ويبصر ويتدبر بما يتهيأ له من قدرات العقل والتمييز وأن ذلك كلّه من جوهر إنسانيته.
ينتقل الكتاب إلى التأكيد على أن التبخيس في شأن الحواس، العقل والفكر التي هي هبة لله للبشر هو في حد ذاته لا يتوافق والمساواة الإلهية في القرآن «إننا لم نأتِ إلى الدنيا ناقصات عقل إنما جعلنا نقصانًا بهذا المدخل نجد الفصل الثالث من الكتاب يعبر عمّا لحق بالنساء داخل المنظومة الإسلامية»، لم يكن من السهولة أن تستقبل النساء داخل المنظومة الإسلامية أو الإنسانية كونهن ناقصات عقل ومعدومات الأهلية والقيمة»، وعبر الطرح المكثف لفكرة انتقاص العقل نجد الكاتبة تلقي بالكثير من المسئولية على النساء كونهن شاركنا في الاستسلام لمسألة النقصان وتبنيها والعيش من خلالها، مشيرة إلى «أن النساء أسهمن وبشكل كبير في هذا الواقع والحياة بين قوسين «ناقصات العقل والدين»، حيث لم تكتف النساء بالمضي صمتًا في هذا الدور، بل أدين دور «ناقصة العقل» بشكل لم يسبق له مثيل.
تنتمي الكاتبة كذلك في توجهها هنا إلى العقلانية، إذ ترى أن العقل البشري ينتمي إلى طبيعة ما هوية غير قابلة للتحديد وإن الطريقة في التفكير في هذه الماهوية يجعلنا نتناوله كونه منهجيًا ومنطقيًا غير قابل للانطباعات والاستيهامات الشعبية والإسقاطات لماهية «العقل».
ومن هنا تؤكد الكاتبة في «نساء تحت العرش» كيف أن النساء أسهمن في بناء سجن العقل وكيف لم يخرجن منه دون أن يخسرن فبدلاً من هدمه ومغادرته قمن بتوريثه لمن أتين بعدهن، وهذا الدور الذي قمن به أسهم في تضخيم تلك الهالة التي أحاطت بالنساء بوصفهن عقلاً ناقصًا، بحيث أصبح اختراق تلك الهالة أمرًا شبيهًا بمغامرة.
وفيما يشبه محاكمة الذات تذكر الكاتبة أنه شوّهت صورة عقل المرأة أمام ذاتها وأمام الآخر وظهرت تبعًا لهذا على أنها إنسان ناقص عقل، وناقص أهلية بحيث اختطف عقلها تمامًا، كما هوجمت الذات العاقلة عند المرأة وثبطت، ودجنت.
عندما تغيب الحرية يغيب العقل وعندما يغيب العقل ماذا يبقى؟
يستمر السؤال ممتدًا عبر فصول الكتاب مبينة أنه لم ترد كلمة «العقل» على المصدرية في القرآن ولكنها استخدمت بصيغة الجمع على «تعقلون» وتعقل «وعقلوه في 49 موضعًا في القرآن، كما أن كلمة «عقل» لم ترد في السنَّة النبوية ولم تستخدم كلمة عقل للإشارة إلى عضو التفكير ولو كانت المرأة ناقصة عقل والعقل هنا أساس التكليف والمسؤوليات فإنه كان من اللازم أن تكون تكاليف المرأة أخف من تكاليف الرجل، لأن القاعدة تقول: إنه إذا سلب الله ما وهب أي «العقل» عفا عمّا وجب من الفرائض كالصلاة والحدود، وهو ما ليس ساريًا في حياة النساء، إذ المرأة مساوية للرجل في المسؤوليات الدينية والجنائية.
وعليه نقيس أنه إذا كان عقل المرأة نصف عقل الرجل فإن الثواب والعقاب سيكونان كذلك وهذا كمال العدل الإلهي الذي اقتضى العدالة في التكاليف والعقوبة.
وفي معنى آخر تقول: «الخطاب القرآني خطاب إنساني لأنه يرفع قيمة الإنسان ولا ينقصها فلم يكتف خطاب العقل في القرآن بتوجيه الخطاب إلى العقل الوازع أو العقل المدرك ولا إلى العقل الذي يناط به التأمل الحكيم، بل يعم الخطاب القرآني كل ما يتسع له الفكر الإنساني، ذلك أن العقل لم يذكر في القرآن بوصفه اسمًا مجردًا أو معرفًا بالألف واللام، بل بوصفه جوهرًا وهو «الذات» فعبّر عنها بعقل، ويعقل موجه الخطاب للإنسان رجلاً كان أو امرأة باعتبار العقل مناط التكليف وأن شرط المكلف أن يكون عاقلاً والمرأة مكلفة حسب ما نعلمه».
وفي نهاية الكتاب نجد الكاتبة تطرح جوابًا «أن خالق العقل لا ينقصه» وتترك بقية الأسئلة متاحة لإجابات قد لا يتسع لها تاريخ طويل تمدد في حياة النساء حتى اليوم.
جدة