خَفَتَ صوت الفنان التشكيلي الراحل محمد الصندل في الأشهر الأخيرة من حياته واصبح رده على المتصلين للسؤال عنه متكلفا، لا يخلو من الصعوبة فلم يتخل عن الردود بل وكان منزله مفتوحا للسائلين عنه من الأصدقاء والأقارب، آخر زياراتي له كانت في عيد الأضحى المبارك وكان مرهقا بدرجة كبيرة وطيلة الزيارة كان على الفراش يصغي لما يدور من حديث ويرد أحيانا بصوته المتهدج الخافت على ما يمكن، تواصل سؤالي عنه بالهاتف إلى أن اختاره الله الأحد قبل الماضي ودفن في مسقط رأسه الأحساء في اليوم التالي.
علاقتي به تزيد على الثلاثين عاما، منذ بدأت حركة المعارض ونشاطاتها في النصف الثاني من السبعينات، لقاءات سريعة في المعارض إلى أن عملت مقررا لقسم الفنون التشكيلية في جمعية الثقافة والفنون بالدمام 1979 فتزيد العلاقة ويبدأ التعاون بين فروع الجمعية، حينها كان رئيسا لقسم الفنون التشكيلية في جمعية الأحساء، جمعتنا لقاءات كثيرة في الأنشطة التشكيلية التي تقام في الأحساء أو الدمام أو الرياض وكان صديقنا الفنان ناصر الموسى يحرص على جمع الفنانين في منزل والده بالرياض عند أي مناسبة وكان من بين تلك اللقاءات رسمنا الجماعي أو الفردي في مرسم الموسى فكانت بعض الأعمال المشتركة بيننا (الموسى واحمد السبت والراحل الصندل).
لوحتي الوحيدة التي رسمتها في الأحساء عام 1986 أثناء زيارة لمنزله في الصالحية وفي مرسمه الصغير الذي تملأه الألوان واللوحات والفرش وأدوات الرسم الزيتي والمائي ولم أزل احتفظ بتلك اللوحة التي حملت أثرا لأدخنة النخيل الأحسائية.
علاقة وثيقة بين الفنان الصندل والفنان احمد السبت تمتد لعقود فالاثنان يتساويان في العمر ويلتقيان في البدايات وان كان الصندل اكثر تأثيرا وشهرة في الوسط الأحسائي جمعتهما سفرات كثيرة كان لي نصيب منها خارج المملكة كما جمعتهما جمعية الثقافة والفنون منذ قيامها وتخلي السبت عن نادي الجيل ليكون عضوا فاعلا في الجمعية، ارتبطت أعماله بالمكان الأحسائي والبيئة والطبيعة وكان منذ البدايات وهو يسعى للتعبير عن أحداث ووقائع ومظاهر اجتماعية وموروث، كانت مبكرا لوحاته (الصدر) وهي طريقة ري المزارع والنخيل، ثم لوحته (غدار يابحر) وتميل إلى الترميز لتحقيق فكرة الموضوع كما كانت لوحته (رجل عجوز) بنفس التوجه ثم شرع في رسم مواضيع أكثر مباشرة وتوثيقا (ليلة الحنا) التي تم إتلافها قبل أشهر مع لوحات أخرى في جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، أعقبها بلوحات أخرى مثل الخباز والفلاح وجلسة صيفية وعذق رطب وعدد آخر من أعمال يمكن اعتبارها محدودة العدد.
عرف أصدقاء الصندل في هذا الفنان هدوءا وأدبا جما وخلقا رفيعا، وكان للكبار أخا وللشباب أبا ومعلما وموجها وكثير من أعضاء جمعية الأحساء من تلامذته، وأستعيد من قريب وقفته في مهرجان صيفي أقيم قبل قرابة العام في قصر إبراهيم بالهفوف وإشرافه على أعمال الأطفال ورسوماتهم بجانب آخرين يقومون بمهام اخرى، كان وقتها قد ظهرت عليه المتاعب الصحية وقبل ذلك كان أن أجرى عملية قسطرة للقلب، لم يتخلف عن الأنشطة الفنية والتشكيلية خاصة في الأحساء على الخصوص فكان حاضرا مع غياب أعماله، عندما نوى التقاعد من عمله كمعلم كان يأمل في أن يكثف ممارسته الفنية ويعوض التوقف الطويل عن الرسم والمشاركات لكن مشاغله والتزاماته الأسرية حدّت كثيرا من ذلك. كان حديثه لا يخلو من طرفة وأتذكر تمثله أحد زملائنا الذين ينتجون أعمالهم بغزارة كبيرة بقوله (هذا يرسم والا يطق خبز) رحم الله الصندل، كان إنسانا وفنانا وأخا لا يمكن نسيانه.
solimanart@gmail.com