خطط لصفحته «قراءة في مكتبة» ألا تعيش طويلاً، وحدد لها عامًا واحدًا التزم به رغم معارضة الصحيفة ورغبتها في استمرارها وعرضها عليه السفر للمناطق لإجراء مقابلات مع رموزها لكنه اكتفى بمن قابلهم في الرياض «ساكنين وزائرين» ورأى أن قيمة العمل تبقى إذا أحسن اختيار التوقيت الملائم للظهور كما للاحتجاب، ويظن أنه أصاب فقد توالى على الصفحة معدون كثر عبر مكاتب الجزيرة المنتشرة ثم أوقفت؛ فالمعايير الصارمة تختل مع التكرار والكثرة، وكانت المكتبة معبرًا لحواراتٍ أشمل في قضايا الثقافة.
اختار بعض ضيوفه بنفسه واقترحت له أسماءٌ أخرى، وأخفق حين لم يجد شيئًا عند ضيوف وتألق بتألق آخرين، وعُرض عليه جمعها في كتاب فلم يقتنع، وطلب منه «ونحن نتحدث عن عام 1985 م» إعداد وتقديم برنامج تلفزيوني مشابهٍ للصفحة فاعتذر، ومرة بل مرات لا يدري أكان مصيبًا في كثير من قراراته أم مخطئًا ليبقى قياس ذلك مرتهنًا بزمن مختلف وسنٍ مبكرة.
لا يذكر من أرشده إلى ضيف نادر الظهور إن لم يكن منعدمًا، وكان شيخًا كبيرًا، قيل له: إن لديه مكتبة منزلية نادرة، ورغم أنه لم يسمع باسمه من قبل؛ فقد استجاب مطمئنًا إلى الناصح الذي يشكره ويعتذر منه أن نسي من يكون؛ فهذه سيرة من الذاكرة وأنى له أن تستدعي ما يشاءُ كما يشاء، وليس من ذوي المفكرات والأراشيف؛ فأوراقه مبعثرةٌ ويعلوها الغبار.
وجد ما قيل له عن الضيف أقل من حقيقته، ورأى في مكتبته ما لم يره في كل المكتبات التي زارها دون استثناء، وسعد حين خرج من لقائه مع العم الشيخ محمد الحمد العمري رحمه الله بصفحةٍ بقيت طويلاً في ذاكرة القراء ولفتت النظر إليه قليلاً، وأحسّ بالقيمة المضافة حين أثنى عليها أستاذه محمد الوعيل وطلب عنوان الشيخ ليكون «ضيف الجزيرة».
توفي الشيخ بعد التقائهما بعامين (1407هـ)، وهو من الجامعيين الأوائل حيث تخرج في جامعات الهند واستقطبه الملك عبدالعزيز للعمل في الشعبة السياسية كما عمل فترة في قنصلية المملكة بالقدس ثم تفرغ - بعد تقاعده - لمكتبته.
وبعد سنوات طويلة التقى بأحد أبناء الشيخ وسأله عمّا حل بتلك المكتبة النادرة، وفهم منه أنها ما تزال على حالها مع وجود مشروع لديهم لوضعها في خدمة الباحثين عبر التفكير ببدائل محتملةٍ يرونها الأجدى، وقد أشار الشيخ عبدالله البسام رحمه الله إلى أن العمري باع قسمًا مما هو مكرر فيها لجامعة الملك سعود، كما ذكر الدكتور عبدالعزيز الخويطر أن الشيخ محمد سرور الصبان اشترى من مخطوطاتها.
الشيخ العمري من أهالي عنيزة وتشهد له مكتبته بوعيه الثقافي ومخزونه المعرفي وحجيته في بعض قضايا التأريخ الشفاهي، ولا يعلم إن كانت له تسجيلات صوتية أو مرئية، ولو وجدت فستكون إضافةً مهمة لفترة نادرة خلال مرحلة التكوين.
لم تكن جميع اللقاءات بهذا التميز؛ فقد كان بعضها مملاً وبعضهم نمطيين، ولو عاد به الزمن لما نشرها، ثم أوقف الصفحة بل أوقف نفسه عنها أما هي فلم تقف كما سلف مواصلةً تجوالها في مدن الوطن، والتفت إلى مشروعه الصحفي الجديد؛ وهو ما سترويه السيرة الخميس القادم بعون الله.