انتهى معرض الرياض الدولي للكتاب بكل إيجابياته الكثيرة وسلبياته الخطيرة ومضى القوم كل في طريقة بعد أن سلط الضوء على أشياء عديدة تتبع اهتماما واضحا تسيره أدلجة ثقافية ذات ملامح محددة.
في الوقت ذاته وتبعا لتلك الأدلجة تم تهميش أشياء موجعة ومؤلمة تمثل نوعا من التجاوزات غير المبررة.
نقرأ أو نسمع أحد المبدعين وهو يصرح أن إصداره حقق أعلى نسبة مبيعات في المعرض في محاولة بائسة لترويج منجزه الذي لم يرض تطلعه وعندما نذهب للسؤال نكتشف أن إصداره لم يحقق شيئا يذكر وهنا يلح السؤال على وعينا: لماذا؟
لقد والله كان في غنى عن هذا الادعاء الغريب.
تجلس مع فلان أو تصادف فلانة أو ترى فلانا فيبدي إعجابه الشديد بإصدارك وتتقبل لطفه لكنه يزعجك حين يبالغ كثيرا جدا في الثناء وكأنك أتيت بما لم تأت به الأوائل وتكون الصدمة عندما تهبك الصدفة الحقيقة فتكتشف أنه لم يطلع أصلا على شيء من إنجازك وإنما نما إلى علمه أن لك إصدارا فبالغ في الثناء.
المجاملة مطلب ملح وضرورة تفرضها الحياة لكن المبالغة فيها تؤذي حتى الممدوح والمستهدف من الثناء.
تسوقك حظوظك العاثرة فتشترك في جلسة ليدور الحديث عن كتاب مهم وتجد أحدهم ينطلق في حماس غريب للثناء وإبداء الدهشة بفضاءات الجمال التي تصحب ذاك الكتاب العظيم فتدخل معه في نقاش طويل وتبدأ بملاحظة أنه يكرر الكلام ذاته ومرة أخرى تسوقك الصدفة للصدمة فتكتشف أنه لم يطلع أصلا على ذاك الكتاب وإنما سمع الناس يقولون شيئا فقاله أي أنه إمعة وحسب.
تحضر مع الحاضرين في اللقاءات الثقافية المصاحبة للمعرض وتلحظ أن أحدهم يحضر كل جلسة تكون فيها وتعلم لاحقا أنه يحضر كل الجلسات الرسمية وغير الرسمية ومع أول نقاش معه تدرك تماما أنه لا يفقه شيئا ولا يدرك شيئا وإنما حضر للتعارف فقط وربما لإثبات اسمه في الخارطة .
السؤال الملح هنا يقول : أهذا هو واقعنا الثقافي؟ أهذا هو وجهنا الذي نزعم أنه مضيء؟
هل نحن حقا بهذا السوء؟
للحقيقة فأنت لا تنكر أنك ترى عقليات عظيمة ورؤوسا تحمل الكثير من العلم والوعي ولكن المصيبة أنك لا تراها إلا نادرا جدا ليخلو الجو لأولئك المدعين:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
أخشى أننا سنبقى ننتظر ذاك التنقير ونرضى بكل ما يأتي به من خيبات تخجل كل شخص يحترم وعيه.
