سل الدقيق وماءه.. والزيت وانسكابه.. والموقد واشتعاله.. والروائح وارتحالها والموائد وأضواءها.. والأرض ما بعد ذلك واحتواءها والمعدة وما باتت عليه وزفرت.. سلهم كم من درهم فاض إليهم بلا اشتهاء أو اقتطاع لجوع.. وسل العقل كم من درهم قبض عنه وهو في حاجة وسوء.
إن من أعجب النوادر الشجية أن ترى تهافت المتهافتين -وهذا امتياز قد يتسع أثره لدى النساء- على أصناف الطعام والسعي الحثيث لاقتنائها على بعد المسافات، ولا أعني هنا ما فاح في الدار وأطعم وإنما ما امتهنه اللا مهنة لهم في ديارهم.. المهاجرين بلا عودة في أوطاننا ولا عتب عليهم فالوطن يعرَّفُ بالمكان الذي رزق فيه البشر وإنما مكمن الذهول هذا التسابق الرهيب لأجل أطايب الطعام ونقيضه إذا ما ذكرت محفلاً توعوياً أو تربوياً أو ثقافياً حيث التواري السريع والقذف بالحجج الطوال وتستمع مجبراً لهول من التبريرات المؤكدات وبكائيات من الأعذار الواهنات أي يشخص الداء ويستلذ بأمد ألمه من أجل أن يهرب من مرارة الدواء اللحظية!
ما زال الاهتمام بالشكليات يتخذ مركزاً متقدماً في أواسط المجتمع النسائي، فقلما تجد توازناً بين كلا الطرفين، حيث إما الهوس الفاضح وإما التكهف المانع, ويزيد ذلك اتساعاً ارتياح العامة وتسهيلهم للأمر المعتاد عليه وإن كان بلا رجع يفيد, بينما تتضخم الوصاية على الخروج لمثل الأماكن التي ينتفع حقاً منها وحتى عدم الانضمام إذا ما كان في الأمر شراكة فعلية تهم الأجناس كلها.
تلح علينا عجلة الزمن بأن نغير من القناعات المكبلة, نبذل كل الوسائل وندفع بكل الإمكانات لنحظى.. بمزيد من الوعي.. مزيد من الرؤية السليمة.. مزيد من الاتزان الذي يكفل السمو والارتقاء الحضاري والأكثر في الوقفات الواعية القائدة لا المنقادة. «العقل كالمعدة.. على قدر ما تَقذف في المعدة من طعام على قدر ما تتوسّع.. كذلك العقل؛ على قدر ما تقذف فيه من علوم وأفكار على قدر ما يتوسَّع ويتمدد».
موقد:
يظل يشقى من اعتلال حياته كلها من يشغله كثيراً على ما ستحتوي معدته!
- البكيرية