وحده الصوت يبقى وهو عنوان لإحدى المجموعات الشعرية للشاعرة فروغ فرخزاد وهو مدخل شاعري متوافق ضمنا مع يوم الشعر العالمي والذي يظل هو الصوت الباقي في ذاكرة التاريخ.. وهو أقل ما نقدمه تذكراً حريرياً لشاعرة دست لنا بين ثنايا السطور حباً وشعراً وتوقاً للحرية. فروغ هي المرأة التي كتبت شعرا لتقول إنني أموت وسيقتلني باب موصد و جدار وكتبت شعرا “دعوني وشأني.. أنا عصفورةٌ أسيرة” ولدت فروغ فرخزاد سنة 1935 في طهران، وتزوجت في السابعة عشرة من عمرها، من رسام الكاريكاتير الإيراني برويز شابور صدر لها مجموعة من الدواوين هي ديوان الأسيرة 1955- ديوان الجدار1957- ديوان المتمردة - ديوان ولادة أخرى قام المخرج الإيطالي بيرتولوتشي بتقديم فلم تسجيلي عن حياة هذه الشاعرة المتمردة والحافلة بالشعر والألم.
في يوم الشعر العالمي من المنصف أن نتوقف لتأبين قصائد النساء اللواتي كتبن من أجلنا ومن أجل أن ينرن شمعة في نفق الوجود المظلم، ومن هنا كانت بطلتي لهذا اليوم العالمي للشعر الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد التي أحبت الحياة والحرية ورمزت للنساء بالأزهار وكتبت عن مصادرة حياة المرأة وشبهت ذلك بالمجزرة الجماعية، تقول:
أكتب تاريخ المجزرة الجماعية للأزهار
كل الأحلام يتساقطن
من أعلى ألواح سذاجتهن ويهلكن
في الشعر وحده الصوت يبقى وفي حياة فروغ فرخزاد بقي لنا تاريخ شعري حافل يختزل صوت الإنسان الحر، صوت شاعرة كتبت لتقول إنني أموت متعثرة في طرف قيد. أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى الأسيرة عام 1955 وتحتوي على أربعٍ وأربعين قصيدة تتحدث عن امرأة تحيط بها القيود وتخذلها الحياة والآخرون:
أفكر في الأمر وفي الوقت نفسه أعلم
أنني لن أستطيع أن أغادر هذا القفص
حتى لو سمح لي الحارس بالذهاب
فقد فقدت القدرة على الطيران بعيداً..
كل صباحٍ من وراء القضبان
دعوني وشأني.. أنا عصفورةٌ أسيرة
هي شاعرة اختبرت الكثير من الوعي على هذا المستوى الحسى والفكري وعبرت عنه عام 1964 في ديوانها «ميلاد آخر» الذي أظهرت فيه نموذج الذات الحرة المقاتلة التي تود أن تكونها وكانت قد أصدرت قبل ذلك كتابها «عصيان» وعبرت فيه عن الحياة الناقصة التي تحظى بها النساء في المجتمع، كما أن شعرها لم يخلُ من الحب كقيمة روحية مثلما هي أكثر قصائدها كتبت قصيدتها «وقعت في الإثم..» والتي لم يتقبلها مجتمعها المحافظ الذي يرى أن كتابة الشعر محظوراً للمرأة فكيف وهي تكتب عن عوالم الحب السرية التي تحتل قلوب النساء.
نظرت في عينيه الغامضتين
فارتعش قلبي دون توقّفٍ
أريدك يا حبيبي.
محبوبي
جامحُ الحريةْ
كالغريزة الفطريةْ..
ويبقى صوت حروف فروغ فرخزاد محملا بالهوية النسوية والبوح المتأمل في مساحات القهر والحزن بصوت امرأة خرجت من عزلة المجتمع الكبير الذي مارس طقوس حجب الذات الإنسانية إلى غربة الحياة الداخلية لشاعرة تمادت الحياة في الإطاحة بأحلامها وحرياتها الصغيرة، مارست فروغ فرخزاد تمردها عبر كتابة النص المتمرد الذي لا يمكن أن يمرر للقارئ دون أن يصله ذلك الصوت البعيد لامرأة تكتب من أجل حرية الروح وخيارات الإنسان التي تضيق به كثيراً حين يكون هذا الإنسان «امرأة « وكتبت بصوت كل امرأة يروعها ذلك.
فروغ من الشاعرات القلائل اللواتي كتبن الشعر من أجل الخلاص، ذلك الخلاص الذي يحرر الروح من الألم والعذابات واتجهت قصائدها إلى البحث عن معاني الحرية والإنسانية ودعت إليها، وتبنت قضايا المرأة وكتبت لأجلها، إن حياة فروغ تجعلنا نعلم كم ننتمي إلى نوعنا الإنساني.. وكم ننتمي إلى ما كتبته كوننا نساء في شرق كبير يوجه حياة النساء من خلال العادات والتقاليد التي صورت المرأة اللؤلؤة المكنونة في صندوق وقد كتبت وهي ابنة هذا الشرق تقول:
أبدا لن يعثر الغوّاص على لؤلؤة ثمينة
في قاع جدول صغير
تفضي مياهه إلى بركة موّحلة!
توفيت فروغ فرخزاد في حادثة سير اصطدمت فيه بجدار وكأنما تريد أن تهدم آخر الجدران في حياتها الدنيا, وكانت قد تنبأت بقرب نهايتها حين كتبت «سعيدة أنا لأن شعري صار أبيض، وجبيني تغضن، وانعقدت بين حاجبي تجعيدتان كبيرتان رسختا على بشرتي. سعادتي أني لم أعد حالمة. قريباً سأبلغ الثانية والثلاثين، صحيح أن الثانية والثلاثين عاماً هي حياتي التي تركتها خلفي وأتممتها لكن ما يشفع لي أنني وجدت فيها نفسي». غادرت فروغ فرخزاد الحياة وبقي الصوت الشعري الذي تركته للتاريخ ولكل امرأة تتوق للخروج من شرنقة الغربة الروحية لربما تجد فيه ملهما لطائر يرغب في أن يحلق خارج السرب.
salmoshi@gmail.com
الرياض