أخي الدكتور - إبراهيم العبدالرحمن التركي حفظه الله
مدير الشؤون الثقافية في جريدة «الجزيرة»:
سلام عليك وعلى خالد الرفاعي في الأولين والآخرين، وبعد:
كتب أخونا الأستاذ/ خالد الرفاعي في عدد ثقافية الجزيرة (336) بتاريخ 19-4-1432هـ مقالاً عن أحداث «معرض الكتاب» الماضي، يقصد بذلك الضجة التي أُثيرت حول مواقف بعض المحتسبين من بعض الكتب المعروضة وبعض الفعاليات الثقافية المصاحبة.
ومع أن للمقال إكمالاً كما يظهر من طرته، إلا أنني سأستبق النهاية بما ظهر لي في البداية من أن الأستاذ خالد مارس دوراً أستاذياً بالتعالي على فريقَيْ الخلاف وإسداء النصائح للشهود في المشهد الثقافي.
ولهذا اتسمت معالجته بالضبابية؛ إذ ليس فيها في رأيي - وأرجو أن يسمح لي - موقفٌ حقيقيٌّ أيّاً كانت صورته، والنقد الذي تضمنه لموقف بعض المثقفين من الاحتساب في معرض الكتاب جاء مستنداً إلى المنهجين الوصفي والتاريخي دون أن يكلف نفسه - وأرجو أن يسمح لي مرة أخرى - التبعات «الثقافية» المترتبة على الإفصاح عن رؤية معرفية بيّنة.
أنا هنا لا أجترح خطيئة الإسقاط أو تكليف خالد موقفاً لا يؤمن به - حاشا لله - لكني كنت أنتظر منه موقفاً صريحاً لا يتترس بالاحتراس من أن يُفهم كلامه على أنه دفاع عن المحتسبين أو الحديث باسمهم، أو نسبة ما هو مطلق وحق إليهم دونه كوجود المنكر في المعرض! فأيّ منكر - أخي خالد - أعظم من أن تعرض بعض الكتب التي تتضمن الزندقة والتجديف كفاحاً، أو يُهزأ فيها بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أو تتضمن الإساءة إلى بعض أجلاء الصحب الكرام رضي الله عنهم؟!
وأنا لست ضد المنع المطلق ولا الفسح المطلق، وموقفي الخاص موقوف على طبيعة المعروض من جهة وخلفية المتلقي من جهة أخرى. بمعنى أني لا أرى بأساً من فسح ما هو في حدود الاجتهاد الفكري (طبعاً تحديد ذلك يحتاج إلى ندوات علمية كبرى آمل أن يتبناها مركز الحوار الوطني)، لكن ثمة ما هو باطل بالمطلق كالكتب التي تعبث بالأصول العقائدية، بل منها ما يمارس العبث مع القرآن والسنة، والأمثلة عديدة، على أنه لو كان المتلقون على طبقة علمية واحدة لعددت اطلاعهم على ذلك من المناعة المطلوبة، أو كانوا من ذوي الأهلية للرد لقيل بالندب إليه أو الوجوب، لكن ردة فعل بعض «المثقفين» ذات أبعاد أخرى، حتى بدا لي أن بعضهم «فرح» بالموقف ليشبع لطماً بالمحتسبين، وأحد هؤلاء لا يفرق بين «كوعه» و»كرسوعه»، ولا يعرف الخبر من المبتدأ، ولا يكاد يقيم آية على وجهها أو ينطق حديثاً نطقاً صحيحاً ثم لا يتردد أن يجادل عن الذين يختانون أنفسهم!!
ومع ذلك فسأمارس نوعاً من الاحتراس الذي مارسه الأستاذ خالد، وهو احتراس مبدئي مؤسَّس عن عقيدة وقناعة بأنني ضد أن يتجاوز الاحتساب ضوابطه الأخلاقية بالسب والشتم، ناهيك عما هو أخطر من ذلك بالتجاوز السلوكي الفعلي الذي يهدد أمناً أو يروِّع آمناً في بلادنا المملكة العربية السعودية؛ فهذا من الخطوط الحمراء والمحرمات التي لا يجوز الرضا بها أو السكوت عنها، بل هو منكر بذاته، والنهي عما نراه منكراً يجب أن يكون بالمعروف، والمعروف كل ما أمر به الشارع، والشارع أمر بالرفق ونهى عن الشدة والغلظة في الخلاف، وجرّم التعدي على الآخرين بحجة إقامة الحق أو أية حجة أخرى، وجعل إقامة النظام حقاً مطلقاً للحاكم الشرعي أو مَنْ يُنيبه من ذوي الاختصاص.
أرجع إلى القول بإيجاز: إن الأستاذ خالد لم يأخذ على المثقفين خطأ المبدأ في الاعتراض على مبدأ الاحتساب، لكنه نقدهم في الإجراء، أي أنه لم ينقم عليهم مخالفة الاحتساب فيما حق وصواب ولو كان من منطلق معرفي، لكنه أخذ عليهم خطأ الذريعة إلى ذلك، ولو أدار بصره لوجد أن الاحتساب الثقافي مبدأ لا غبار عليه، وإن شاء فهو مما يحرك الراكد الفكري ويحقق الحرية.
وبعد:
صحيح أن مشكلة «الاحتساب الثقافي» - أرجو أن تكون التسمية مقبولة - أنه لم يجد أكفاء ينهضون بحقه العلمي وهو الاحتساب بالحجة والبراهين، بما أدخل فيه من لا يفرق بين الإنكار على ناشر ثقافي والإنكار على بائع متميع في أحد «المولات»، لكن مشكلة بعض مثقفينا أكبر، وهي أن هؤلاء البعض لا يزالون يعتقدون أن الثقافة تعني مخالفة المطاوعة، أو شرب كوب شاي مع ناشر متهدل الشعر من خارج الوطن، أو تبادل النكات السخيفة مع مؤلف يبعهم الوهم فإذا وصل بلاده تحسس جيوبه ونفض عقب سيجارته على خارطة بلادهم!!
د. عبدالرحمن بن صالح الناصر
nassr444@gmail.com