أشرنا في الحلقة السابقة إلى أن التشكيليين جعلوا من محيطهم بكل مشاهده وتفاصيله الثابتة والمتحركة مصادر إلهام شأنهم شان مختلف التشكيليين في العالم كما نشاهد في تاريخ الفن من نقل لهذا الواقع على مر العصور على اختلاف المظاهر التي تجمعها قواسم مشتركة بيئية واجتماعية، وإذا كنا قد أخذنا في حلقتنا السابقة أحد تلك المصادر وهي الفنون الشعبية المتحركة ونعني بها الرقصات وأسلوب أداءها في محيط الرجال كالعرضات التي تتسم بالقوة والشجاعة وما يتبعها من أزياء وتصاميم تختلف باختلاف مناطق المملكة، أو برقصات النساء التي تتسم بالليونة واستعراض الزينة والأزياء وقبلها استعرضنا جانب المشغولات الشعبية من تصاميم أو أنماط تشكيل وتلوين تندرج في جانب النفعية كالملبوسات وما يتبعها من نقوش إضافة إلى بعض المشغولات أو المصنوعات الشعبية مثل أدوات الطبخ أو القهوة وغيرها مثل الدلة أو المبخرة أو ما يضاف إلى جدران المنازل من نقوش أو الإيقاع الخطي الجميل في بيوت الشعر التي تشتهر بها البادية بألوانها الطبيعية المستخلصة من شعر الماعز، كما لا ننسى ما اشتهرت به بعض الأعمال من نقل وتوظيف للزخرفة الشعبية على الأبواب وأصبحت مثار إعجاب الكثير.
واليوم نستعرض جانبا آخر من جوانب المشاهد التي تزخر بها البيئة الاجتماعية وهو جانب العلاقات الإنسانية بين أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع والتي تعبر بصدق عن ماضي مليء بالحب والألفة والتقارب والتعاون، فقد وجد فيها التشكيليين مرتعا خصبا للإلهام، شكلا ومضمونا، وظفوا خلالها الإنسان، المرأة والرجل باعتبارهم ركائز العلاقات الإنسانية، فهناك من عبر عن مظاهر اللقاءات الاجتماعية والكرم الذي يشتهر به أبناء المملكة وفي مختلف المناطق أو العلاقات الثنائية بين الأزواج بحميمية برزت وظهرت بأسلوب رومانسي أو مجالات التعاون بين الطرفين في مرحلة من مراحل الحياة الاجتماعية أو مظاهر الحياة في الحاضرة أو البادية إلى آخر المنظومة.
وإذا كنا قد اخترنا هذا الأسبوع نخبة من هذه الأعمال ولأسماء تنوعت بين الجنسين ومن مختلف الأجيال فكما أشرنا سابقا أننا لا نستعرض مستوى تقني أو نضع مقارنات بقدر ما نشير إلى سبل الإلهام محترمين مختلف القدرات التي تعبر عن الإحساس أكثر من رؤيتها من زاوية النقد، واليوم نسعد أن نستعرض أعمالا لكل من الفنان عبد الله الشيخ الذي أمتعنا بالكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية والفنان عبد الجبار اليحيى ودقته في انتقاء مشاهد لم يعد لها حضور في هذا الزمن بواقعها الماضي ومنها التعاون المشترك بين الزوج والزوجة في بناء المنزل يدا بيد، فإننا نشاهد في الجانب الآخر نشاهده من تصوير لحالات رومانسية في لوحات إبراهيم النغيثر الذي برز فيها ما يحمله الزوجين من حنان ولمسة حب عميقة المغزى، أو ما نشاهد من حميمية اللقاءات الأنثوية بين الأقارب أو الجيران في لوحة الفنانة سارة كلكتاوي أو لوحة الفنانة وفاء بهاي التي ملأت عينا المشاهد بأصوات الأحاديث بين مجموعة النساء أو علاقة البدوي بجمله في لوحة الفنان الراحل خالد العبدان يرحمه الله، ونختم بلوحة الفنان أحمد الحسينان المعبرة عن كرم الضيافة وكيف كان الود بين أفراد الحي الواحد.
monif@hotmail.com