- يحكى أنّ أرنباً قام بحفر جحرٍ خاصٍ له فى مكان طريق الفيل المعتاد لشرب الماء. فقتل الفيل بأرجله الضخمة أولاد الأرنب فعقد الأخيرُ العزمَ على الانتقام من الفيل واتفق مع الغربان فأكلت عينيه فأصيب بالعمى، وحفر مع أقرانه من الأرانب حفرًة كبيرةً وقامت الضفادع بالقفزِ فيها وأطلقت نقيقها تمويهاً له بأن الحفرةَ هي بركةُ الماءِ ونظراً لأنه أعمى فقد سقط ومات!!
* كلّنا نعرف هذه القصة أو ما يشبهها ونحتفظ بها في ذواكرنا من أيّام الطفولة - رغم أن قصصاً من هذا النوع لا تناسب الأطفال على أية حالٍ كما يرى يوسف الشاروني - والحقيقة تبدو في أبشع صورها إن قلنا إن تلك ليست تصرفاتٍ «حيوانية» لأنها «إنسانيةٌ» بامتياز!.
* يلجأ «الإنسانُ» إلى إسباغ بعضٍ من صفاته على «الحيوان»، وإن كانت تلك حيلةٌ في الأدب لجأ إليها الكتّاب مناورةً لإيصال رسائلَ معيّنةٍ لحاكمٍ، ظالمٍ أو عادلٍ، أو حتى ليأمن عقابَ البشر كما يبرّر ذلك الصادق النيهوم في اعتماده على الحيوان لسرد قصصه وموضوعاته، فما عذر من يستخدمها في غير «الأدب»؟!
* وربّما كان الصعاليك أسبق في إدراك حقيقة الحيوان، وأنّ عالمه أكثر أماناً من عالم الإنسان، فأنسوا بالذئب والسبع والوحش، وطاروا فزعاً بصوت البشر، فالأحيمر السعدي يتخذّ من الذئب إلفاً، وواثقه على الصحبة ومثله فعل الشّنفرى والأسباب التي يسوقها الأخير لذلك منطقية فيقول:
ولي دونكم أهلونَ: سيدٌ عملّسٌ
وأرقطُ زهلولُ وعرفاءُ جيألُ
همُ الأهلُ لا مستودعُ السرّ ذائعٌ
لديهم ولا الجاني بما جر يُخذَلُ
* وفي حين كان ذكر الحمام قد عاقب زوجته في كليلة ودمنة حين شكّ بأنها قد تناولت من الحب الذي تعاهدا على عدم المساس به فنقرها حتى الموت، ثم بكى على ما صنع - ولاتِ ساعة ندم - نجد كونراد لورنز، أحد علماء» نفس الحيوان»، يصف الإوز»آدو» حين قتل ثعلبٌ شريكته سوزان إليزابيث، فقد وقف صامتاً قرب جسدها الذي افترس الثعلب نصفه، والمسجّى في العش. وفي الأيام التالية، ظل محنيًا وقد تدلى رأسه، وغارت عيناه، وفقد موقعه في سرب الإوز إذ لم يعد يقوى على الدفاع عن نفسه من هجوم الإوزات الأخرى. وربما يعيد هذا الوصف إلى الأذهان الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت، صورة الطائر الذي ماتت شريكته وأطلق نواحاً مبكياً عندما أدرك أنها ماتت.
* بالعودة إلى حكاية الأرنب والفيل، من منهما المذنِب يا ترى؟! من الواضح أنّ الأرنب - ومثلُه كثيرون منا - قد تعلّق بالنتيجة دون أن يمعن النظرَ بالمقدماتِ التي وضعها بنفسه، شأنه في ذلك شأنُ ذاتِ الرداءِ الأحمر التي سلكتِ الطريقَ الأكثر خطورة، ثم أخذت تستنجد من الذئب! والخلاصة أنّ قراءتنا لعالم الحيوانِ قراءةً منصفةً تجعلنا نعيد التفكير في كثيرٍ من تشبيهاتنا وحتى «شتائمنا»، و تعلّمنا الكثيرَ الكثيرَ عن أنفسنا، ونكتشف «الثقوب السوداء» و»بحار الظلمات» فينا. «و نحن ما نزال نبحث عن حيواناتٍ تصلح للتشبيه: قويٌ كالثور أو كالحصان، غادرٌ كالذئب، ماكرٌ كالثعلب، أمينٌ كالكلب، أليفٌ كالهرة، صبورٌ كالحمار، عنيدٌ كالبغل، قبيحٌ كالقرد، كبيرٌ كالفيل، ولكن ظلّ الحيوانُ الآخر آكلُ اللحوم المتلذّذ بالتعذيب والقتل والتقتيل والتمثيل بالجثث من دون اسم» كما يرى ممدوح عدوان.
* ليس الحجم معياراً للتصنيف فلا الأرنبُ وديعاً ولا الفيلُ ظالماً.
القاهرة