أنا أفكر إذن أنا موجود، أين أنت من هذه المقولة؟ هل أنت منفرد بفكرك، أم منصهر الفكر في فكر غيرك؟
مالي أرى أناسا عجزى في تفكيرهم، سلموا أذقانهم بكامل قواهم العقلية أقصد أذهانهم لغيرهم، يصدرون الأحكام عنهم ويتبنونها.
لماذا هم بهذه العقلية التقليدية، الخاملة، عديمة الهوية والشخصية الفكرية؟
وأين هم من أصحاب العقلية الناقدة، النشطة، الممعنة في أي فكرة وحادثة، بغية تفنيدها، وتمحيصها، وإرجاعها لأصولها، وتبيان الظروف التي سببتها أو كانت وراءها، ليصدروا بعدها أحكامهم عليها ويتفردوا.
من الذي صنع العقلية الأولى؟ وما أسس بناء وصنع العقلية الثانية؟
في الحقيقة أن من صنع العقلية الأولى هو من تخلى عن أسس بناء وصنع العقلية الثانية؛ ولقد آن الأوان لجميع من كان وراء هذا العقل التقليدي من مؤسسات تربوية متمثلة في الأسرة والمدرسة والمساجد ووسائل الإعلام لأن تشد مأزرها، لتوقظ ذوي الأذهان الكسلة من سباتها، وتلفتهم إلى حالهم، وما سيكون عليه مآلهم، ليتقبلوا من جديد إعادة تنشئة فكرهم، على أسس ومقومات القرآن الكريم، الذي أرسى مقومات بناء وصنع العقلية النقدية.
ولقد وضع القرآن الكريم العديد من أسس ومبادئ بناء العقل النقدي، كالتحذير من الإتباع دون علم وتبصر، والجمود على المعتقدات والأعراف المجتمعية العقيمة، وتعطيل العقل على بعض الممارسات الموروثة، والابتعاد عن اتباع الظن واعتماد الموضوعية، والحث على التثبت واليقين، ورفض ودحض كل ما لا يعتمد على برهان ودليل؛ كما وأكد القرآن على ممارسة حرية الاختيار التي تستلزم فحصا ومراجعة واختبارا، تؤول بصاحبها إلى القناعة في الخيار والاختيار، وصنع القرار.
وبالنسبة لجيلنا الصغير، فالضرورة قصوى، والقناعة كبرى، والعزيمة والهمة موجودة، ومنهجية القرآن الكريم مضمونة، لتعهد فكره، وتنشئته على أسس علمية، ليصبح في مستقبله عقلا جمعيا ناقدا، موضوعيا فاحصا، مستنيرا، حرا وحكما.
الرياض