تقرر كافة الأنظمة ومختلف التشريعات ضرورة تأمين حاجات الفرد وتوفير شروط العيش الكريم الذي يحمي المرء من متتاليات ذل ّالفاقة والإفرازات السلبية لاستشراء العوز وتضخم وباء الفقر الذي حينما تتعالى وتيرة استفحاله فإنه يدق إسفينا يهدد أمن المجتمع ويؤثر على طبيعة الاستقرار العام.
إن تحجيم الفقر والتشخيص الدقيق لموجباته وتحسين الحالة المعيشية وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة ومساعدة الفرد على بلورة وعيه بسقف الأفق الحقوقي أمر لا مناص منه, بل هو حق للإنسان لا يسوغ أن يُدفع لتسوله بأي حال من الأحوال فالحقوق لا تُستجدى وليست منة يتفضل بها هذا الطرف أو ذاك وإنما هي التزامات يفترض أن تقوم بها الجهات المعنية على نحو يكفل تجفيف منابع الفقر ومحاصرة بواعثه ورصد المصادر الملائمة لمعالجته وبالتالي خفض منسوب الجريمة وإلجائها إلى أضيق الطرق.
الجريمة والفقر ينهما رباط جدلي يتعذر اختزاله إلى أحد طرفيه, وقديما قال الفيلسوف (سقراط) عن الفقر إنه هو أبو الثورة وأبو الجريمة. والمعنى ذاته يؤكده في العصر الحديث (كلارك) حيث إن التواضع الحاد للإمكانات المادية هو الذي يولد الشعور باقتراف الجريمة والدراسات البحثية تتابع مقررة هذا المعنى كما في تلك البحوث التي قام بها الباحث (بونجر) وقبل ذلك كان تراثنا يقرر تلك الفكرة ويكفي أن النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام جعل الفقر بمحاذاة الكفر وقرن بينهما في الاستعاذة كما عن دأبي داود, وأحمد ولاغرو, فالفقر-كحالة معقدة ذات أبعاد متعددة - يُحمل ذووه على ألوان من الانحرافات كتعاطي المخدرات والمتاجرة بها والتسول والانحراف الجنسي والسرقة وعدم الاكتراث بانتهاك الأعراف السائدة كنتيجة طبيعية للشعور بالحرمان المادي الحاد وعدم القدرة على الحصول على مستوى معيشي لائق.
الشعور بالانحطاط الاقتصادي حينما يجتاح الفرد يولد لديه قدرا من الكراهية ويبيت قنبلة موقوتة وبركانا قابلا للانفجار وخصوصا حينما يكون في بلد نفطي وحينما يسمع عن ميزانيات ذات أرقام تريليونية فلكية مذهلة ويرى مظاهر الاستهلاك المتعي وأشكال البذخ الترفي في قمة جاذبيتها في الوقت الذي هو بتسول قوت يومه ويعاني آلام الفقر المدقع والظروف المعيشية البالغة السوء بينما غيره متخم بمُتع الغناء الفاحش.
كثيرا ما تطالعنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على مظاهر محزنة لأفراد وأُسر تسكن في بيوت من الصفيح أو تحت كوبري أو داخل مركبة أو داخل مباني متهالكة كما في كثير من الأحياء الشعبية القديمة فيعانون من سوء الأحوال الصحية وتدني المستويات التعليمية ويفتقرون للاحتياطي اللازم لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والأزمات بكافة صورها.
إن الفقر محبط والإغراءات بالانحراف تتزايد والسلوك الإجرامي لم يعد تقليديا كما مضى بل اتسع أفق الجريمة مع اتساع هذا الجيل الرقمي وبات أكثر خطورة وتعقيدا وهذا هو ما يجعل التحديات أمام صناع القرار مضاعفة لمحاربة هذا الداء وبالتالي تحجيم التفاوت الطبقي الذي يحيل المجتمع إلى فئتين :إما بئر معطلة أو قصر مَشيد.
Abdalla_2015@hotmail.com
بريدة