القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي
يعد الشاعر المصري «أحمد طه» أحد أبرز شعراء السبعينيات، وأكثرهم حضوراً بين شعراء الأجيال التالية، فقد أسس هو ورفاقه جماعة شعرية أطلق عليها «جماعة أصوات» اهتمت في البداية بإصدار دواوين شعرية لأبناء هذا الجيل، وفي مرحلة لاحقة اضطلع «طه» بإصدار مجلة «الكتابة السوداء» التي توقفت بعد العدد الأول، ثم أصدر مجلة «الجراد» التي كانت معنية بمتابعة ما يكتبه الشعراء الشباب آنذاك، ثم توقفت أيضا بعد إصدار ثلاثة أعداد، وسفر «طه» إلى أمريكا في هجرة قصيرة. صدر لـ»أحمد طه» أربعة دواوين: «لا تفارق اسمي - إمبراطورية الحوائط - الطاولة 48- زهرة البستان» وهنا حوار معه.
تستخدم الحكاية ثم تستكملها بقصيدة، هل ترى أن هناك تكاملا بين الأنواع الأدبية؟
هذا النمط من الكتابة موجود منذ زمن طويل، كتب فريد الدين العطار صاحب « منطق الطير « نصه باستخدام الحركية التي ينتجها تلاحق الحكاية مع الإنشاد، وبالنسبة لي لا أجد غضاضة في تزاوج الإبداع فهناك مصطلح «الكتابة» وهو ما أفضله بالنسبة لنصوصي، فأنا أكتب ولا أقرض شعراً، ولا أرى تلك القداسة المزعومة في الكلام الذي يدعى «الشعر».
وهل نستطيع أن نقول إنها شكل جديد لقصيدة النثر؟
لا أحب مصطلح قصيدة النثر فقد تم ابتذاله كثيراً، وما يكتب في مصر باعتباره قصيدة نثر هو شعر حر أي متحرر من العروض والقوافي، وقصيدة النثر مفهومها أعمق من مجرد التخلص من العروض والقوافي، إنها كتابة تمارس أقصى درجات الحرية ولا تخشى امتزاج الإبداعات التي ابتكرها البشر على مر تاريخ ثقافاتهم.
الجزء الثاني من ديوانك « إمبراطورية الحوائط « عن أنور كامل ورفاقه، هل كان هذا رثاء منك لهم؟
نعم، كتبت «بورتريه نهائي لأنور كامل» وأنا في مدينة «شيكاجو» بعد أن بلغني نبأ وفاة أنور كامل الذي ربطتني به علاقة وثيقة، وهى أكثر من مجرد مرثية تخصه وحده، فهي مرثية زمن لم أره، لكنني عشته مع حكايات أنور كامل، ومع قراءة تراث هذه الفترة المنيرة من تاريخ مصر، أنا شخصيا أحب قراءة هذا النص من آن لآخر وكأنني لم أكتبه.
وهل ترى أنك أنصفته بكتابة نصف ديوان شعري عنه؟
لا أنا ولا غيري يمكنه إنصاف أنور كامل أو جيله، هذا يحتاج إلى عصر يعاد فيه قراءة تاريخنا الحديث بمعزل عن الأيديولوجيا القومية.
أشعارك تبدو وكأنها قصص قصيرة أو حدوتة في شكل قصيدة: أليس كذلك؟
أعتبر نفسي أمارس «الكتابة» وهى جماع لفنون القول، ولا أحب محاصرة مشاعري بأشكال كتابية محددة لمجرد أن لها وجودا في التراث العربي الشعري، الكتابة فعل منفتح على كافة الثقافات وهى ليست ابنة التراث العربي فقط لأن تراثنا المصري سمته الأولى التعدد والانفتاح.
أربعة دواوين شعرية منذ عام 1980 حتى الآن: ألا ترى أنك مقل في إنتاجك الشعري؟
نعم أنا مقل جدا، لأنني لا أعتبر نفسي كائنا مهمته الكتابة تحت كل الظروف، والأصدقاء الذين كتبوا عشرات الكتب والدواوين أكتفي بحسدهم، وأتمنى لو امتلكت قدرتهم على الكتابة الدائمة.
ما سر اختفاء مجلة «الجراد»؟
لا أعتقد أن مجلة «الكتابة السوداء» التي صدرت في عام 1988 أو مجلة «الجراد» التي صدرت عام 1994، كان من الممكن استمرارهما فقد كانتا إجابة لحاجة تخص ذلك الزمان وأولئك الأشخاص، ولم أطمح إلى استمرارهما لمجرد الوجود، كان من الأفضل أن يموتا وهما في طور الطفولة بما فيها من براءة ونقاء.
ما رأيك في الملتقيات التي تعقد باسم قصيدة النثر من آن لآخر؟
أنفر من احتكار نمط شعري واحد للمشهد، وقصيدة النثر أو الشعر الحر مجرد أنماط جديدة لإثراء القصيدة المكتوبة بالعربية، أي أنها إضافة وليست خصما، وإلا فإننا نعيد الدائرة إلى نقطة البداية، ونمارس الفاشية الإبداعية التي مارسها النقاد والمبدعون طوال تاريخنا.
ولكن لماذا يهاجم شعراء التفعيلة قصيدة النثر؟
المعركة الدائرة الآن أو ما أسميه «حرب الخنادق الشعرية» هي نتاج الثقافة الأحادية التي تحكم العقول، وهى معركة عبثية لأن النوع الشعري لا يمكن أن يضيره وجود نوع آخر، والتجاور لا الصراع هو سمة عصرنا، وإذا لم يمكننا الإيمان بتجاور الأنواع والثقافات فلا جدوى من قصيدة نثر أو تفعيلة، والأفضل أن نكف ونكتفي بالاستمتاع بما تبقى لنا من حياة.