| |
لتوثيق التاريخ.. وحتى لا نتحسر على فقدهم د. عبدالله الرميان(*)
|
|
سررت بخبر قيام دارة الملك عبدالعزيز بتدشين مشروع توثيق مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية في منطقة القصيم والذي يهدف إلى خدمة تاريخ المملكة وتوثيق المصادر التاريخية والروايات الشفوية للمعاصرين والرواة لرصد الجوانب المهمة في تاريخنا والتواصل مع الباحثين والمهتمين بتاريخ المناطق. وسبب هذا الاغتباط بهذه الجهود المشكورة التي تقوم بها الدارة في هذا المضمار والمبادرة التي تستحق الإشادة أن تاريخنا نُسي أو كاد أن يُنسى بسبب إهمال أهله وعدم اهتمامهم بتدوين تاريخهم. وكل يوم يمضي نفقد فيه من التاريخ بقدر ما نفقد من الرجال الذين حفظوه في صدورهم بعد أن عايشوه واقعاً في حياتهم. كم هي الوقائع والأحداث والقصص التي سمعناها مشافهة من الآباء والأجداد كان حقها أن تروى ولا تطوى. وكم يتحسر المشفق على هذا التاريخ حينما يرحل الرجال الذين يجسدون تاريخنا المعاصر دون أن تدون أخبارهم أو تروى آثارهم. إن الاهتمام بتوثيق الروايات الشفوية وتدوينها بحيث تحول إلى وثائق مكتوبة جهد عظيم ينبغي الإشادة به والتعاون مع الدارة على تفعيله وتعميمه بحيث يمكن الوصول إلى هؤلاء الرجال الذين يحتفظون بهذا التاريخ بذاكرتهم وليس لديهم القدرة أو الرغبة أو الاستعداد لتدوين ذلك لكن يسهل عليهم مشافهة غيرهم به. إن أسباب قصورنا عن حفظ تاريخنا وعدم اهتمامنا به كثيرة منها: فصل هذا العلم عند بعض طلاب العلم الشرعي عن العلوم النافعة وظن البعض أن الانشغال بالتاريخ المعاصر انشغال بما لا ينفع، وقد يصنف أنه من ضروب إضاعة الوقت، بيد أنا إذا قلبنا صفحات التاريخ علمنا أن من حفظ لنا التاريخ هم أعلام الأمة ورموزها، ولم يشغلهم ذلك عن البروز في سائر العلوم الشرعية سواء كان هذا التاريخ الذي حفظوه فيما يتعلق بالأحداث والوقائع، أو السير والتراجم: فابن الجوزي بكتابه صفة الصفوة وابن كثير في البداية والنهاية والذهبي في سير أعلام النبلاء وابن حجر في الدرر الكامنة والشوكاني في البدر الطالع والألوسي في تاريخ نجد والبسام في علماء نجد والعبيد في تذكرة أولى النهى وغيرهم كثير. ومن هذه الأسباب عدم وعي عامة الناس بأهمية حفظ التاريخ وتدوينه فتضيع كثير من الوثائق والوصايا المكتوبة والمخطوطات النادرة بسبب إهمالها وعدم الوعي بقيمتها التاريخية، وكم هي الوثائق العائلية المحبوسة عند البعض فيها من التاريخ ما لا يمكن الوصول إليه، ولو جمعت هذه الوثائق أو اطلع عليه واستل منها ما يخدم تاريخ بلادنا لحصلنا على مصدر من أعظم المصادر التاريخية المدونة. لكن البعض ما زال يتوجس خيفة من كل من يسأل عنها أو يحرص عليها خوفاً من منازعة في ميراث أو مشاركة في ملك، فلعل هذا الهاجس يزول إذا تبنت الدارة رعاية وحفظ هذه الوثائق وللتاريخ فقط. ومن ذلك قصور أقسام التاريخ بالجامعات عن القيام بدورها في هذا المضمار، فنجد إشغال الطلاب ببحوث لا تتعلق بحياتهم ولا بواقعهم، فماذا سيقدم الطالب في بحث فصلي يكلف به عن تاريخ الأندلس أو دولة المرابطين أو الموحدين، أما كان أجدى أن تكون مشروعات البحوث في هذه الأقسام تتعلق بتاريخهم المعاصر الذي يعايشونه واقعاً في حياتهم، فنحفظ تاريخاً معرضاً للنسيان حينما نكلف طلابنا المتخصصين ببحوث ميدانية عن تاريخ قرية من القرى أو مشروع بحث لمدينة يقسم على عدة طلاب لتدوين تاريخها من خلال: مساجدها، أوقافها، مدارسها، تعليمها، أحيائها أو الترجمة لعلمائها وأدبائها ووجهائها والمعلمين والمربين فيها، ويمكن أن تساهم الجهات الحكومية في هذا المشروع كل في تخصصه. إن هذا التاريخ المهدد بالضياع هو في متناول الجميع اليوم وهذه البحوث ستساهم في حفظ تاريخنا، فهل تتبنى الدارة -وهي صاحبة هذا المشروع الرائد- التعاون مع الأقسام العلمية المتخصصة والجهات الحكومية لتفعيل هذا المقترح ودعمه وتوجيهه؟ وهل ستجد تعاون الجميع للنهوض بهذا المشروع المهم؟ أرجو ذلك.
*عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى
|
|
|
| |
|