حان الوقت، ليس الآن بل منذ زمن طويل، كي يتبنى مجلس الشورى موضوع قيادة المراة للسيارة كقضية عامة تستحق أعلى درجات الاهتمام بعد أن وصلت بنا الأمور إلى ما وصلت إليه! فهذا الموضوع الذي ظل المجتمع يلوكه على مدى عقود طويلة من الزمن أصبح ملفاً محرجاً للمملكة أمام العالم أجمع.
ففي كل مؤتمر عالمي أو ندوة أو مناقشة ذات علاقة بشئون المرأة يُثار هذا الملف، باعتبار أن السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يميز ضد المرأة في هذا الشأن! وكلما أثير هذا الموضوع تعالت التعليقات المتهكمة على المجتمع السعودي حتى أصبحنا موضع سخرية حتى من المجتمعات المتخلفة التي تنتشر فيها الأمية وكل المظاهر الأخرى للتخلف.
أصبحنا، في هذه المؤتمرات والمنتديات، محاصرين بالانتقادات من الجميع، وصار همنا هو تلفيق الأعذار للدفاع عن وضع مخجل لا يمكن الدفاع عنه.. لقد حشرنا أنفسنا في ركن وأمامنا كل العالم في الركن الآخر!؛ نرفع أصبع الاتهام لكل مجتمعات الدنيا ونقول لهذه المجتمعات: كلكم «غلط» ونحن «الصح» الوحيد!، وعندما يفحموننا بالحجج ننكس رؤوسنا ونقول: ولكن مجتمعنا «غير»! مجتمعنا لم يصل إلى ما وصلته المجتمعات الأخرى في العالم من الوعي، ولو سمحنا لنسائنا في القيادة فسوف تنطلق «الوحوش الذكورية» إلى الشوارع وتفتك بهن!؛ مع ملاحظة أن هذه «الوحوش الذكورية» هي الوحيدة في العالم التي تتلقى كماً هائلاً من التعليم الديني منذ صفوف رياض الأطفال حتى الشهادة الجامعية دون أن يرتقي ذلك بسلوكها لكي يكون بمستوى سلوك الناس في بقية المجتمعات التي تسكن في جميع قارات هذا الكوكب!!
أليس هذا مخجلاً!؟.. أليس مخجلاً أن يصل بنا سوء الظن إلى هذا الحد من اتهام مجتمعنا، وخصوصاً النساء، بالقصور لدرجة أن مجرد قيادة المرأة للسيارة ستفعل كل هذه الأفاعيل بمجتمعنا الذي ندعي أنه محصن بسياج ديني لا يوجد في أي مجتمع آخر!؟.
نقلت الصحفية أسمهان الغامدي أن ثلاث عضوات في مجلس الشورى هُنَّ الدكتورة هيا المنيع والدكتورة لطيفة الشعلان والدكتورة منى آل مشيط قدَّمْنَ دراسة لمجلس الشورى عن موضوع قيادة المرأة للسيارة، أوضحن فيها ضرورة السماح للمرأة بقيادة سيارتها بعد تسليط الضوء على جميع النواحي الشرعية والنظامية والاجتماعية.
شكراً لهن، ولكنني أعتقد أن موضوع قيادة المرأة، بعد كل هذه السنوات الطويلة جداً من الجدل البيزنطي حوله، تجاوز حتى إبداء المبررات التي تدعم تبنيه من قبل مجلس الشورى. فقيادة السيارة يجب أن يكون خياراً شخصياً لمن تريد من النساء أن تمارسه كحق أساسي من حقوقها كإنسان وكمواطن، ومن تختار ألا تمارسه فإن أحداً لن يجبرها على ذلك. أما ما قد يحدث من مخالفات وتجاوزات نتيجة قيادة المرأة للسيارة فيجب التعامل معه من خلال القانون كأي تجاوز آخر، علماً بأن المجتمع سيألف هذا الأمر ويتعود عليه كما حدث في السابق مع تعليم المرأة وأشياء أخرى كثيرة تمت مقاومتها بشراسة من قبل فئات قليلة تجيد الضجيج ثم تهدأ بعد ذلك بل تسابق الآخرين وتظلمهم لنيل ما كانت تنهى عنه كما يحدث الآن من محاباة في قبول الطالبات ببعض المدارس والجامعات وتعيين المعلمات والموظفات لصالح فئات متنفذة كانت تعارض تعليم وعمل الفتاة سابقاً.