ذات زمن غير بعيد من عام 2008، كتبت مقالا في غمرة احتفالات العرب، والمسلمين بفوز الرئيس أوباما برئاسة الولايات المتحدة، وحذرت حينها من المبالغة بالفرح، وذكرت أن الولايات المتحدة بلد مؤسساتي، لا يعدو أن يكون الرئيس فيه جزءا من معادلة السلطة، بالإشتراك مع الكونجرس بشقيه، النواب، والشيوخ، والمحكمة العليا، ومن المعلوم أن الرئيس الأمريكي، أي رئيس، يخضع لضغوطات هائلة من لوبيات المصالح، وأهمها بجانب ايباك، لوبي صناعة السيارات، والتوباكو، وغيرها من المنظمات التي تطالب بثمن نظير دعمها لهذا الرئيس، أو ذاك، فالإنتخابات الرئاسية تكلف أموالا طائلة، بلغت في الإنتخابات الأخيرة مليارات الدولارات!.
ومع أن السياسات العامة للولايات المتحدة، خصوصا الخارجية، يتم التخطيط لها لعقود مقبلة، عن طريق مراكز البحوث، والدراسات المستقلة، أو تلك التابعة لأرقى الجامعات الأمريكية، إضافة إلى أن هناك سياسات ثابتة في مطبخ القرار الأمريكي، لا يمكن لأي رئيس أن يحيد عنها تحت أي ظرف، وإلا تعرض لما تحمد عقباه، مثل الموقف الداعم لإسرائيل، إلا أن قوة شخصية الرئيس، وتمكنه المعرفي، وخصائصة القيادية قد تمكنه من التأثير في اتخاذ قرار تاريخي، كما فعل الرئيس الجمهوري، ابراهام لينكولن (1860-1865)، في قضية تحرير السود، والتي خاض بسببها حربا أهلية ضد المناهضين للتحرير في ولايات الجنوب، وهي الحرب التي استمرت لسنوات، ومات فيها خلق كثير، يقدر بمئات الآلاف من كلا الطرفين، وانتهت بنجاحه بتحرير السود، أو كما فعل الرئيس الديمقراطي جون كينيدي (1960-1963)، في قضية إنهاء سياسة الفصل العنصري، والتي بدأ غمارها منذ تسنمه رئاسة الولايات المتحدة، وأكملها من بعده نائبه، ومن المفارقات أن كلا الاثنين تم اغتيالهما، بما يشبه المؤامرة!!، فلينكولن تم اغتياله، وهو يشاهد فيلما في إحدى دور السينما، وكنيدي تمت تصفيته أثناء زيارته لمدينة دالاس، في ولاية تكساس، في قضية لم يغلق ملفها، منذ خمسين عاما حتى اليوم!، فهل هناك غيرهما؟!
نعم، ولا، فهناك رؤساء لم يصنعوا تاريخا، كما فعل ابراهام لينكولن، وجون كينيدي. هذا، ولكنهم استطاعوا من خلال قوتهم أن يناوروا في هذا الملف، أو ذاك، دون الخروج عن الخط العام المرسوم سلفا، ويأتي الرئيس الجمهوري، ديويت ايزنهاور (1952-1960)، والجمهوري - أيضا - جورج بوش الأب ( 1988-1992) على رأس أولئك الذين حاولوا قدر المستطاع الخروج عن المسار المرسوم، فلا يمكن أن ينسى المتابع موقف الرئيس ايزنهاور من العدوان الثلاثي على مصر في 1956، أو موقف بوش الأب من اسرائيل، مع أنه دفع ثمنا غاليا لذلك، فقد حاربته ايباك حتى خسر معركة إعادة الإنتخاب أمام الرئيس كلينتون في 1992، ولعلي أواصل الحديث عن الرؤساء الذين ساروا على الخط المرسوم، وربما يكون الرئيس أوباما أحدهم، فإلى هناك!.