شهدت كوريا الجنوبية خلال العقدين الماضيين نقلة نوعية في التقدم الاقتصادي والمنافسة النوعية حتى أضحت المنتجات الكورية تلامس المنتج الياباني في الجودة، وذلك بفضل التحول من التخطيط التقليدي الذي يستند على الخطط الخمسية إلى التخطيط السلوكي الذي يعتمد على المسارات الإستراتيجية التي تستجيب للتحولات المجدولة والمفاجئة بمنهجية مرنة تتعامل مع كافة المتغيرات بمهارة تتبع وتحاكي سلوك الأنشطة المختلفة وتحفزها.
تعد كوريا الجنوبية من أفضل الأمثلة على الدول التي حققت نجاحاً ملحوظاً في مجال النمو الاقتصادي خلال مدة وجيزة حتى أصبحت الدولة الثانية عشر في ترتيب الدول الاقتصادية الكبيرة في العالم. وقد أدركت الحكومة أهمية إعداد الأيدي العاملة ذات المستوى الرفيع، وعملت على دعم ذلك التوجه من خلال عدد من الإجراءات منها إنشاء وزارة العلوم والتكنولوجيا، والعديد من المعاهد العلمية والتقنية، وافتتاح أقسام وفروع جديدة في التخصصات المطلوبة مستقبلاً، وتحديد كيفية الربط بينها. وإنشاء معاهد بحوث علمية يعتمد (70%) من تمويلها على القطاع الخاص، وتشرف الشركات الكبرى على نسبة كبيرة من أعمال البحث والتطوير. كما تتخذ تدابير لمنح مساعدات بسهولة أكبر لمشروعات البحث ذات الأغراض العلمية.
جسدت التجربة الكورية العلاقة الوثيقة بين الاستثمار في البحث والتطوير والتنمية الاقتصادية التي حققتها كوريا الجنوبية، وحددت الحكومة تحت الإطار الجديد عدة تقنيات لتحفيز ودفع التطور والنمو الاقتصادي، وعملت ترتيبات بين الوزارات من أجل تنمية هذه التقنيات التي من أبرزها البث الإذاعي والتلفزيوني الرقمي، والشاشات (إل سي دي، إل إي دي، بي دي بي، الخ)، والإنسان الآلي الذكي، وسيارات الجيل الجديد (سيارة ذكية، سيارة نظيفة)، وشبه موصلات الجيل القادم (نظام الشرائح، شرائح النانو)، والوسائل المنزلية الذكية، والمحتويات الرقمية والحلول، وبطارية الجيل القادم، والطلب الإحيائي (الشرائح الإحيائية، الأعضاء الصناعية).
أنشأت الحكومة إطارا جديدا لتوجيه العلوم والتقنية والابتكار بحيث تركز فيه سياسة العلوم والتقنية والابتكار على تعزيز قدرة العلوم والتقنية لتسهيل الانتقال نحو مجتمع المعرفة. كما تركز أولوية السياسة على تطوير البحث العلمي الأساسي وتنمية الموارد البشرية الإبداعية في مجال العلوم والتقنية. وكذلك سوف تركز مصادر الأبحاث والتطوير على مجالات مختارة في التقنية والتي تعتبر ذات أهمية استراتيجية للتنمية المستقبلية لكوريا الجنوبية لتعطي هذه السياسة فرصة أكبر لضمان اعتماد فعال ومتزن لمصادر التمويل.
في هذا الإطار عملت الحكومة على تشجيع تفاعل وتعاون نشط بين القطاعات العامة والخاصة، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني والصناعات الخاصة في عمليات صنع السياسات الخاصة بالعلوم والتقنية، وتعزيز ثقافة مفضية إلى الابتكار العلمي والتقني. ويشتمل التنظيم المؤسسي الجديد للبحث والتطوير في كوريا الجنوبية على عدد من الجهات من أبرزها:
مجالس الإشراف على أعمال معاهد الأبحاث الحكومية. وقد وضعت الحكومة الكورية الجنوبية ثلاثة مجالس تحت إشراف مكتب رئيس مجلس الوزراء، مهمتها الإشراف على أنشطة البحث والتطوير لمعاهد الأبحاث الحكومية وهي: مجلس أبحاث العلوم الأساسية والتقنية، ومجلس أبحاث العلوم الصناعية والتقنية، ومجلس أبحاث التقنية العامة.
وزارة العلوم والتقنية التي تضطلع بمهام التوجيه والقيادة والتنسيق لكافة أنشطة العلوم والتقنية في كوريا الجنوبية عن طريق إعداد سياسات وبرامج العلوم والتقنية بما فيها برامج التعاون التقني، وبرنامج الطاقة الذرية، وبرامج أخرى في الأبحاث والتطوير، وذلك بما يتماشى مع أولويات التنمية الوطنية. كما تقوم بتنسيق سياسة العلوم والتقنية وأنشطة الأبحاث والتطوير بين الوزارات. وكذلك القيام بقياس وتحليل وتقييم أداء البرامج والمشاريع الوطنية لأعمال الأبحاث والتطوير، وتنسيق ميزانية الأبحاث والتطوير الوطنية. وتقوم الوزارة بمهام الأمانة العامة للمجلس الوطني للعلوم والتقنية وتتحمل مع الآخرين مسئولية تأسيس وتنسيق خطة وطنية رئيسة لتطوير العلوم والتقنية، ودعم برامج ومشاريع البحث والتطوير بما في ذلك مختبرات الأبحاث الوطنية والمبادرات البحثية الإبداعية. وتتجه سياسة العلوم والتقنية إلى الحد من مشاركة الوزارة في التنفيذ الفعلي لبرامج الأبحاث والتطوير من أجل أن الأدوار الجوهرية بقيادة أكثر قوة من خلال تعيين وزير العلوم والتقنية كنائب لرئيس مجلس الوزراء للتقنية لكي يحصل على كامل الصلاحية لاعتماد ميزانية الأبحاث والتطوير الحكومية، وتعزيز الروابط بين المعاهد، وزيادة نقل نتائج الأبحاث وإدارتها على أسس تجارية.
المجلس الاستشاري الرئيس للعلوم والتقنية (بي أية سي إس تي)، ويتولى المجلس الاستشاري الرئيس للعلوم والتقنية (بي أية سي إس تي) دور إعطاء توصيات للرئيس الكوري حول الإستراتيجيات بعيدة المدى للعلوم والتقنية والابتكار.
المجلس الوطني للعلوم والتقنية (إن إس تي سي). تتجسد المهمة الأساسية للمجلس الوطني للعلوم والتقنية هي تنسيق سياسة العلوم والتقنية قريبة المدى وبعيدة المدى، بحيث تكون الوزارات الأعضاء والمعاهد والجهات الإدارية الخاصة بالبحث والتطوير تتولي قيادة عملية التنفيذ للبحوث. وتقوم كافة الوزارات الداعمة لأعمال الأبحاث والتطوير بتسليم مقترحات ميزانية الأبحاث والتطوير إلى المجلس الوطني للعلوم والتقنية. كما يقوم المجلس الوطني للعلوم والتقنية بمساعدة كلاً من وزارة العلوم والتقنية والمعهد الكوري لتقييم وتخطيط العلوم والتقنية بالتنسيق المسبق للميزانيات المقترحة وتسليمها إلى وزارة التخطيط والموازنة لاعتمادها.
وزارة التخطيط والموازنة (أم بي بي)، وتقوم باعتماد الميزانيات السنوية من أجل الأبحاث والتطوير والأنشطة المتعلقة بها في القطاع العام، بالإضافة لدعم القطاع الخاص.
المعهد الكوري لتقييم وتخطيط العلوم والتقنية (كي آي إس تي إي بي). الوظائف الرئيسة لهذا المعهد تتجسد في تقييم وتخطيط العلوم والتقنية، وإدارة برامج الأبحاث والتطوير التي تشرف عليها وزارة العلوم والتقنية، وتخطيط وتنفيذ برامج التعاون الدولي في مجال العلوم والتقنية. ويقوم العلماء بتقديم طلبات المنح البحثية من خلال جامعاتهم ومعاهدهم، بطلب لأحد معاهد إدارة الأبحاث والتطوير والتي لها برامج منح كبيرة مثل المعهد الكوري لتقييم وتخطيط العلوم والتقنية، والتي يتم تمويلها عن طريق وزارة العلوم والتقنية بالكامل.
لعبت معاهد الأبحاث الحكومية دوراً أساسياً في المرحلة المبكرة من تطوير العلوم والتقنية في كوريا فيما يتعلق بالتنفيذ الفعلي لمهام الأبحاث وحققت معاهد الأبحاث الحكومية فعالية وكفاءة تشغيلية لأنشطة البحث والتطوير الكورية، إلا أن دور هذه المعاهد في نظام الابتكارات الوطني كان محدوداً، إذ أن القطاعات الصناعية والأكاديمية قد سبقتها في العمل في مجال البحث والتطوير. ومع نماء عدد وإمكانات المعاهد البحثية الخاصة، فقد واجهت المعاهد البحثية الحكومية مشكلات في تنفيذ برامجها للبحوث والتطوير مما حدا بها لتغيير دورها ليتناسب مع متطلبات العلوم والتقنية. وبما أن نظام التجديد الوطني الكوري من خلال برنامج المشاريع الوطنية الفائقة التطور (HAN) قد قاد أنشطة البحث والتطوير الكورية بفاعلية، إلا أن الجهود لا يمكن أن تنبثق إلا عن مزج مجموعات الخبراء من الجامعات والشركات الصناعية ومعاهد البحوث العلمية المدعمة حكومياً في منظومة متناسقة الأهداف والبرامج لإحداث النمو والتطوير وتحقيق المنافسة داخلياً وخارجياً.
أسهم التعليم العالي في تنمية أعداد كافية من العاملين ذوي الكفاءات العالية في مجال العلوم والتقنية إحدى أهم القضايا الرئيسة في سياسات العلوم والتقنية في كوريا الجنوبية. وتُسلم سياسة العلوم والتقنية الكورية بأن القضية الرئيسة في هذا المجال تكمن في كيفية تطوير نوعية التثقيف العلمي والهندسي. كما تركز أيضاً على كيفية تقليل التباينات بين الطلب والعرض في مجال إعداد وتهيئة القوى البشرية. وفي هذا الصدد قامت الحكومة بتشجيع الجامعات على تطوير المناهج الدراسية لكي تعكس التغيرات في المعرفة والمهارات المطلوبة في المجالات الصناعية. كما عملت على تعزيز الدعم المالي للأبحاث الجامعية كوسيلة لتطوير ثقافة العلوم والهندسة. كما ستتم زيادة النفقات على الأبحاث العلمية الأساسية من ميزانية الأبحاث والتطوير الحكومية. بالإضافة لذلك ستقدم الحكومة برنامج «زميل الأبحاث الوطنية» وذلك من أجل دعم أبحاث وتدريب الطلاب الخريجين المتفوقين الذين تم اختيارهم كمبتدئين لقيادة التنمية المستقبلية للعلوم والتقنية في كوريا. وسوف تعزز الحكومة إعادة تدريب العلماء والمهندسين لكي يتمكنوا من مواكبة الطلب المتغير على المهارات المطلوبة في الأسواق.
يعتمد زيادة الطلب على العلماء والمهندسين بشكل كبير على النمو الصناعي بالإضافة إلى الكثافة التقنية للنشاطات الصناعية. وفي هذا الشأن قامت الحكومة بطرح عدد من البرامج السياسية لتشجيع الطلب على العلماء والمهندسين في القطاعات العامة. كما أن الحكومة سوف تزيد من الوظائف الحكومية المخصصة لخريجي العلوم والهندسة بشكل كبير. بالإضافة إلى أن الحكومة تخطط لشغل أكثر من (30%) من مناصب صانعي القرارات في المراتب العليا بموظفين ذوي خبرات علمية وهندسية.
تقوم الحكومة بزيادة وظائف في مجال الأبحاث في مؤسسات القطاع العام للأبحاث وذلك من أجل استيعاب علماء ومهندسين جدد وبشهادات علمية متقدمة.
تقدم الحكومة برنامجاً بعنوان «مسئول الأبحاث»، والذي يوفر لحملة درجة الدكتوراه من الشباب فرصا وظيفية كعلماء أبحاث ومهندسين في القطاع العسكري. وكذلك ستقوم الحكومة بتأسيس «مركز تطوير الموارد البشرية» والتي سوف تحتفظ بالعلماء والمهندسين الشباب الذين لم يتم توظيفهم وذلك بشكل مؤقت من أجل تدريبهم عملياً وتأهيلهم للتوظيف.
طرحت الحكومة برنامج (وايز) النساء نحو العلوم والهندسة. وقد قدمت الحكومة برنامج عمل يتطلب من معاهد الأبحاث العامة زيادة عدد العاملات والمهندسات بنسبة لا تقل عن (25%) من إجمالي الموظفين في هذه المجالات.
تنفق كوريا الجنوبية(2.44%) من مجمل دخلها الوطني على البحث والتطوير. وقد عملت كوريا الجنوبية على رفع معدلات التنمية وتحسين وضعها الاقتصادي بمضاعفة الإنتاج وابتكار التقنيات، وذلك من خلال البرامج البحثية الوطنية التي يتوفر التمويل اللازم لها من القطاعين الحكومي والخاص. وتُعد وزارة العلوم والتقنية (25.3% من المجموع الكلي)، ووزارة التجارة والصناعة والطاقة (23.2%)، ووزارة الاتصالات (16.2%) بالممولين الرئيسيين لأنشطة الأبحاث والتطوير، حيث تقوم تلك الوزارات بتمويل أكثر من (64%) من برامج الأبحاث والتطوير الحكومية. تجدر الإشارة إلى أن قطاع تقنية المعلومات حاز على أكبر حصة من الاعتمادات المالية الحكومية المخصصة للبحث والتطوير بنسبة (25.4%) في عام 2002م، يليها حصة قطاع الإلكترونات بنسبة (8.1%)، ثم الهندسة الميكانيكية (7.8%) ثم الأبحاث النووية بنسبة (6.3%)، والمواصلات بنسبة (6.3%). وقد كانت ميزانية البحث والتطوير الكورية لعام 2003م بحوالي (4.5) بليون دولار تشارك وزارة العلوم والتقنية فيها بحوالي ربع الميزانية.
قامت الحكومة الكورية بتبني العديد من برامج السياسات التي من شأنها دعم وتطوير وتسهيل أعمال الأبحاث والتطوير والابتكار للقطاع الخاص، بما فيها الحوافز الضريبية، والمساعدات المالية، والإعانات المادية الحكومية لأعمال البحث والتطوير. وتشتمل أساليب المساعدة الفنية والمالية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وبدايات التشغيل الجديدة على القبول بالخبرة التقنية (الرصيد المعرفي) كضمانة إضافية للقروض البنكية. وكذلك تقديم الإعانات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل توظيف مجموعة من العاملين في مجال الأبحاث والتطوير. بالإضافة إلى تزويد المشاريع الصغيرة والكبيرة بالمعلومات التقنية والخدمات.
يتم بذل جهود متعددة من القطاعين العام والخاص لجذب الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والتطوير الذي بدوره يشارك في مجال دعم وتمويل الأبحاث. ومن أجل هذه الغاية، فقد أعدت الحكومة سياسة بعيدة المدى لجعل كوريا مركزاً للأبحاث والتطوير يخدم منطقة شمال شرق آسيا، وذلك عن طريق الاستفادة من الموقع الجغرافي الاقتصادي لكوريا الجنوبية في المنطقة. كما قامت الحكومة بخفض التمويل المؤسسي الشامل لتشجيع المؤسسات العامة للسعي خلف التمويلات الخارجية وذلك بناء على قدرتها للوفاء باحتياجات المستفيدين. وكذلك عملت الحكومة أيضاً على تطوير اللوائح والقوانين التي تتحكم في تشغيل المؤسسات العامة وذلك بهدف تطوير وتسهيل أعمال التفرعات البحثية.
تبذل الحكومة جهوداً مستمرة بهدف زيادة التعاون بين معاهد الأبحاث الحكومية والجامعات وقطاع الصناعة من خلال نشاطات مشتركة للأبحاث والتطوير منها المشاركة في المرافق البحثية، وتعزيز كفاءة برامج الحوافز الضريبية لتشجيع أعمال الأبحاث والتطوير في القطاع الخاص، وتطوير النظام الوطني للمقياس الفني وتعزيز حماية الملكية الفكرية.
تعمل سياسة العلوم والتقنية في كوريا الجنوبية على تعزيز التعاون والترابط الشبكي بين الهيئات والمؤسسات الابتكارية. كما تركز على تأسيس روابط قوية بين العلوم والمجتمع بصورة عامة، وعلاقات صناعة العلوم بصورة خاصة من خلال التشجع على تطوير صناعات المعرفة المكثفة وصناعات العلوم المكثفة، كسياسة بعيدة المدى للتوسع في الطلب على البحوث العلمية في الصناعات. ويتم تنفيذ سياسة قريبة المدى وأخرى متوسطة المدى لجعل نظام العلوم أكثر استجابة لتغيرات الطلب. وتسعى الحكومة أيضاً لدمج مصالح الصناعات في عمليات سياسة العلوم والتقنية الوطنية والأبحاث والتطوير وذلك بإشراك رؤساء من الصناعات كأعضاء في المجلس الوطني للعلوم والتقنية، الذي يقوم بتوجيه وإدارة سياسة العلوم والتقنية وتخصيص مصادر اعتمادات الأبحاث والتطوير الحكومية.
تشارك الصناعات في إدارة معاهد الأبحاث الحكومية عبر الانضمام إلى هيئات مجالس الأبحاث المسئولة عن تشغيل منظمات الأبحاث والتطوير الحكومية. بالإضافة إلى تشجيع الحكومة مشاركة الصناعات في برامج الأبحاث والتطوير الوطنية بحيث يتم إعطاء مقترحات الأبحاث التي تطالب بمشاركة ال يتم إدارة أنشطة البحث والتطوير في كوريا من خلال عدة مجالس علمية تقع تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، ومراكز التميز فائقة التطور، بينما تُعهد عملية تنسيق سياسات العلوم والتقنية بين الوزارات المختلفة إلى وزارة العلوم والتقنية، بالإضافة إلى تحفيز القطاع الخاص على القيام بالأبحاث والتطوير (RالجزيرةD) وتقديم المساعدة الفنية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
في المملكة لا يوجد مجالس بحثية، إلا أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تشبه في ارتباطها القانوني بتلك المجالس من حيث ارتباطها برئيس مجلس الوزراء. أما بالنسبة للتنسيق بين الجهات والمؤسسات البحثية فإن المملكة تفتقر لوجود جهة معنية تقوم بهذا الدور، كما هو دور وزارة العلوم والتقنية في كوريا. كما تفتقد المملكة أيضاً مراكز التميز التي قادة كوريا إلى المنافسة على الساحة الدولية. وتعد مراكز التميز حاضناً للشباب وواقياً من الانحرافات السلوكية والنفسية التي تثير الاضطرابات والاختلالات في المجتمع.
يتركز تمويل أنشطة البحث والتطوير في كوريا الجنوبية في كل من: وزارة العلوم والتقنية، ثم وزارة التجارة والصناعة والطاقة، ووزارة الاتصالات. كما تجدر الإشارة إلى أن قطاع تقنية المعلومات في كوريا يحصل على أكبر حصة من الاعتمادات المالية الحكومية المخصصة للبحث والتطوير، يليها حصة قطاع الإلكترونات، ثم الهندسة الميكانيكية، ثم الأبحاث النووية، والمواصلات. كما تحرص كوريا على تفعيل برامج الأبحاث والتطوير من خلال حزمة متكاملة من أنشطة البحث والتطوير وفقاً لأولويات محددة تتفق مع الوضع الراهن والمأمول للقطاع الصناعي الكوري. وذلك من خلال مشاركة رؤساء مجالس إدارات الصناعات (كثيفة التقنية) كأعضاء في المجلس الوطني للعلوم والتقنية، إضافة إلى إشراكهم في إدارة معاهد الأبحاث الحكومية.
بالنسبة للمملكة فإنه لا يوجد تدرج واضح في تمويل أنشطة البحث والتطوير من قبل الجهات الحكومية كما هو الحال بالنسبة لكوريا. إضافة إلى ذلك لم يتم تبني توجهات محددة في المملكة لتنمية وتطوير قطاع محدد ذو ميزة تنافسية تُسهم في قيادة الاقتصاد بقيمة مضافة تستوعب مجمل القوى العاملة لاستيعاب نسبة أكبر من حجم البطالة المتنامي، والذي يعد أخطر مهدد للتنمية والاستقرار.
إن العضوية والمشاركة من قبل القطاع الخاص لم يصار إليها في توجيه وإدارة أنشطة البحث والتطوير إذ أن القطاع الحكومي لا زال هو الموجه لسياسة أنشطة البحث والتطوير. منها تركيز أنشطة «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية» على مهام تنفيذ وإعداد الأبحاث والتطوير (RالجزيرةD) مع تحديث وتعزيز إمكاناتها الحالية (المادية والبشرية) وتطويرها، إضافة إلى استمرارها في إدارة برامج المنح بالتنسيق مع الجهات المستفيدة من برامج البحث والتطوير الوطنية من خلال هيئة وطنية بحثية تنتخب لهذا الغرض. وتذليل المعوقات التمويلية التي تعاني منها أنشطة البحث العلمي والتطوير التقني، وذلك من خلال رفع نسبتها المئوية إلى الناتج المحلي الإجمالي تدريجياً من نحو (0.3%) حالياً إلى أكثر من المستهدف وتتخطى إلى ما هو أكثر من (2%) المأمول في عام 1445-1446هـ (2025م) كما أشارت إليه السياسة الوطنية للعلوم والتقنية. ومن الأهمية بمكان تفعيل نظم الحوافز لتشجيع القطاع الخاص على تمويل أنشطة البحث والتطوير لتسهم بدور أكثر فعالية في التنمية المستدامة.