أ. د.عثمان بن صالح العامر
يتحدث العرب اليوم من المحيط إلى الخليج عن بزوغ فجرهم الصادق الذي طال انتظارهم له جيلاً إثر جيل، بعد أن غيبتهم الشعارات ردحاً من الزمن، ولعبت بأحلامهم الرايات سنوات من العمر، وخدرتهم الأمنيات والوعود والتنجيمات أياماً وليالي طويلة حتى صارت حالهم في القاع، حركتهم الخطب الرنانة لليسار تارة ولليمين تارات، وساقتهم العبارات والكلمات الفضفاضة إلى أتون التخلف وقوائم الرجعية الفعلية، فكانت النكبة والنكسة والهزيمة والخاتمة الربيع العربي المدمر.
أين أوصلتهم العروبة، وما مصير الوحدة، وماذا تحقق من أماني الاشتراكيين القوميين، وهل ولدت الحرية المزعومة الديمقراطية الزائفة التي دغدغ بها الليبراليون العقلية العربية المكدودة منذ جيل الآباء والأجداد وما زالو!؟.
لقد اكتشف العقلاء الصادقون في انتمائهم لأوطانهم القطرية وقوميتهم العربية ودينهم الإسلام «الدوائر الثلاث» أن كل هذا كان فجرا كاذبا؛ فحصاد السنين المر ولد معه اليأس والحقد والمرارة داخل أروقة البيت الواحد، بل وصل الحال بالعربي أن صار طريداً في داره، غريباً في أرضه، منكراً بين أهله، وهذا أشد أنواع الاغتراب، إذ يجمع على المرء الاغتراب «النفسي والاجتماعي بل حتى الجسدي وربما الروحي كذلك».
لقد كانت قضية فلسطين قضية العرب الأولى والأخيرة، فصار لها اليوم أخوات عربيات خمس للأسف الشديد!؟.
تحطمت الهمم، وتكسرت الرماح، وبلغ القنوط مبلغه عند شريحة عريضة في عالمنا العربي البائس الحزين، وبقيت في ظل سيادة عالم السوداوية هذا فئة قليلة منا لم تيأس من روح الله ورحمته وقدرته، فهي واثقة أنها على حق، وأن الله وعد بنصر الحق وتأييد أهله، متفائلة بغد قادم مشرق وضّاء، تنظر كل صبح بالأفق الواسع، تنتظر بزوغ فجر صادق يزيل عن النفوس الوهن، ويرفع الذل، ويعيد الأمل ويبعث العز، فكان فرج الله أقرب مما كنا نتوقع جميعاً، إذ كانت عاصفة الحزم إعلاناً لميلاد العزة العربية التي سُلبت بفعل فاعل، حتى ظن الراصدون لحركة التاريخ ألا عودة لها في الزمن القريب.
نعم.. لقد أعادت عاصفة الحزم الشعور بالعزة وبعثت الكرامة العربية من مرقدها، فصرنا نتحدث عن مستقبل عربي، وهمّ عربي، وجيش عربي، وأزمة عربية، وأمل عربي، ووجدان عربي واحد.
إن الانتفاضة العربية التي تولدت جراء العاصفة أعادت الأمل للنفوس الراكدة، وبعثت فينا وأحيت بقايا العروبة، فصارت القنوات والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي تتكلم لغة القوة والحزم بعد أن خيمت على نفوسهم الهزيمة، وعلا عباراتهم الذم والشتم، وحقُ هذه الانتفاضة الميمونة أن توظف التوظيف الأمثل، وتسقى بماء البذل والعطاء من الجميع، وتدفع نحو الأمام في كل الأقطار العربية حتى نجني الثمار التي طال انتظارها، ويكون بعد الفجر الصادق عالم عربي عزيز وسعيد.
إن البعث العربي لم يكن له أن يتحقق، وأن يولد الأمل من جديد بالخطب والشعارات، والوعود والاستنكارات كما كان الحال من قبل، بل ولد في أفقنا الممتد من المحيط إلى الخليج بالفعل والحزم المبني على الإيمان بالله أولاً ثم الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والإصرار والتخطيط والإعداد الذي فاجأ العالم في اليوم المشهود.
حفظ الله قادتنا وأدام عزنا ونصر جندنا ويسر أمرنا وجعل عواقب أمورنا إلى خير. وإلى لقاء والسلام.