سلمان بن محمد العُمري
تُرى كم لدى العالم الإسلامي من أثرياء ؟ وأين موقعهم في قائمة المتبرعين للعمل الخيري؟ قوائم تعلن سنوياً عن أثرياء العالم فيعلن بالمقابل قوائم بالمتبرعين ( قائمة أكثر من عشرين متبرعأً في العالم ) بالطبع حتى لوضعت القائمة بـ ( أكثر من مائة متبرع ) فلن نجد فيها من العرب والمسلمين على الرغم مما وعد الله - سبحانه وتعالى - للمنفقين في أوجه الخير، وإنه - سبحانه وتعالى - لا يضيع أجر من أحسن عملاً وسيخلف على المنفقين في سبيله.
قال - تعالى -: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تظلمون} البقرة 272.
بل إن الله - سبحانه وتعالى - يضاعف النفقة الطيبة التي يراد بها وجهه، ويبارك فيها وينميها لصاحبه كما قال - سبحانه - {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} البقرة 261.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (وما نقص مال من صدقة) وما أكثر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تحثّ على الإنفاق في أوجه الخير وإعانة الفقراء والمساكين.
إن المنفق المسلم حين يتبرّع فإنه مأجور - إن شاء الله - على إنفاقه، وفي مجتمعنا السعودي - ولله الحمد - وبعض عالمنا الإسلامي والعربي من رجال الأعمال مَنْ أدرك واجبه الشرعي والوطني والإنساني وقدّم لمجتمعه حق الله - سبحانه وتعالى - ثم حق مجتمعه في تبنّي الأعمال الخيريّة ورأينا وسمعنا عن مشروعات عديدة، ولكن البقيّة الباقية لا أثر لهم ولا خبر، وأؤكد على أمر في غاية الأهمية وبحسبة بسيطة لا تحتاج إلى الحواسب الرقمية بأنّه لو أنفق زكاة الموسرين في العالم الإسلامي لمدة عام لما رأينا فقيراً مسلماً على وجه الأرض لسنوات عدة، ولذا فنحن نطلب من الموسرين حق الله - سبحانه وتعالى - في المال الموجود لديهم ولا نريد فضلاً بصدقة أو غيرها.
في كلّ بلد يوجد محتاجون وفقراء ويتامى ومساكين، وهذا ليس بالعار ولا بالمذمّة، بل تلك سنة الله في خلقه، وبلادنا ليست استثناءً على الرغم من النعم الكبيرة التي نعيشها، والثروات التي حبانا الله بها، وأيادي الخير ولله الحمد كثيرة لدينا، وامتد عطاؤها ليشمل ليس بلادنا فحسب، بل كل أصقاع المعمورة، وقد شهد القاصي والداني بذلك.
والمملكة العربية السعودية كانت وعلى مرّ الزمان، الأم الحاضنة للأمة الإسلامية، وتبنّت همومها وقضاياها مهما تنوّعت الظروف والأمكنة، وهذا فخر وعز لبلاد الحرمين الشريفين، والمملكة ماضية به إلى ما شاء الله، وربما كان من الضروري الإلتفاف وبشكل أكبر إلى الداخل، وهذا لا يعني بأيّ حال الابتعاد عن عمل الخير في البيئة الإسلامية الخارجية وفي مجتمعات الأقليات، بل هو امتداد لبعضه، فالداخل ليس معزولاً عن الخارج، بل هو كل متكامل، فأبناء الأمة كلهم واحد، وعزتهم وقوتهم تنعكس على كل الأمة خيراً وعطاءً، الأمر أكثر من هذا بكثير، حيث إن المملكة تحتضن بين جنباتها وفي ربوعها ويعيش على ثراها الطيّب أعداد كبيرة من الرعايا من كل البلدان الإسلامية إضافة إلى جاليات كبرى غير مسلمة.
إنني أتطلّع ويتطلّع غيري من المحبّين والغيورين على وطنهم وأهله أن يكون هذا الخير الوفير (خيركم .. خيركم لأهله) . بحيث يركز على الداخل، وبشكل كبير فالأقربون أولى بالمعروف.
في بلادنا الآلاف من المحرومين واليتامى والمرضى والمعاقين والمساكين الذي هم بأمسّ الحاجة للصدقات والتبرعات، والواجب تجاه هذا الأمر الحرص والمبادرة والمبادأة في كل عملٍ خيرٍ نافع.
* * *
مواضيع ذات صلة:
العمل الخيري يكثر أجره، ويعظم ثوابه، كلما كانت الحاجة ماسة إليه أكثر، وكلما كثر المنتفعون به، فلو افترضنا مثلاً أن قرية من القرى فيها من المساجد مايكفيها، ويتسع للمصلين فيها، لكن لا توجد فيها مدرسة، أو مستشفى، فما الأنفع للناس وألصق بحاجتهم، أن يبني فيها فاعل الخير مسجداً آخر، لاتمس إليه الحاجة، أم يبني ما يحتاجه الناس من مدرسة أو مستشفى؟!
وإذا قصرنا الحديث عن المساجد، فما الأفضل أن يقوم فاعل الخير ببناء مسجد فاخر ينفق عليه بسخاء، فإذا مات انقطع ذلك الإنفاق على المسجد، أم يخصص جزءاً من قيمة ذلك المسجد، ويبني به محال تجارية مثلاً تكون وقفاً على ذلك المسجد، بحيث لاينقطع الإنفاق عليه بموت بانيه؟؟
وكذلك ما الأفضل والأكثر نفعاً وأجراً، أن يبني فاعل الخير مسجداً في منطقة راقية جدّاً، بعشرين، أو ثلاثين مليون ريال، ولايصلي فيه إلا عشرون أو ثلاثون شخصاً، أم يبني بهذا المبلغ عشرة مساجد في أماكن محتاجة، وتكتظ بعدد السكان، بحيث يصلي في كل مسجد مئات الأشخاص، ويفتتح في كل مسجد حلقات لتحفيظ القرآن، يدرس فيها مئات الطلاب؟
ولاشك أن الإجابات الموضوعية العلمية عن تلك التساؤلات، ستقودنا إلى النتيجة الصحيحة، وهي أنه ينبغي للأغنياء والموسرين أن يضاعفوا جهودهم، وأن يزيدوا من أعمال الخير، وأنه يجب أن تكون تلك الأعمال الخيرية مدروسة بعناية من جهات الاختصاص، بحيث توجه الوجهة الصحيحة، وتسد ما تمس إليه الحاجة في المجتمع، وتساهم في تطوره، وتقدمه من جميع النواحي الدينية، والعلمية، والتعليمية، والصحية، وغير ذلك.