د.فوزية أبو خالد
تشغلنا في العيد وعن العيد عدد من القضايا العالقة في الحلق أو المعلقة على جناحي الرئة وأصعب مافي تلك القضايا أنها سواء كانت بخفة الريشة أو بثقل الجبال فإنها تقلقنا بسؤال سقف الحريات نظراً لما تشكله من تهديد لمجرى الهواء. في الوقت الذي تحرجنا بسؤال مدى قدرتنا على
التسامح الفكري والوجداني المدعى نظراً لما تتطلبه من صراحة جارحة مع الذات في نقدها وفي نقد المجتمع وسلطاته العديدة والتعيدة معاً.
وقد توصلت إلى تلك النتيجة من خلال قراءة بعض القضايا الملتهبة التي شاغلت شريحة من المجتمع عن زخم العيد أو نافست جدوله المزحوم باللقاءات العائلية والتجمع على «المفطحات». بعض تلك القضايا التي وضعت يدي عليها من مصادر ميدانية مباشرة استقيته من أرض الواقع, وبعضها استحلبته من الفضاء الافتراضي الذي لم يعد يقل واقعية لطول تواجدنا بين أرجائه وتعلقنا بحباله غير المرئية. المصدر الأول كان عبر الأحاديث المكتومة أو المتفجرة المارقة بصمت أو المتحركة بصخب أمام الملأ, مما لم يخل منها مجلس من مجالس المعايدات إن طالت أو قصرت. المصدر الثاني كان من متابعتي لعدد من منتديات التواصل الاجتماعي الإلكتروني ومنها منتدى أسبار، ضو..ضاء, رفاق الفكر والثقافة، الملتقى الأحدي، الفن السابع ومنتدى الكتاب على «الوتساب». وهي منتديات أنتمي إليها عن طريق ما أكاد أسميه المشاركة بالمطالعة وليس بالتداخل أي بتأمل الآراء المطروحة وليس بالتعليق عليها أو المواجهة معها إلا فيما ندر. وذلك ليس بخلا بالرأي بقدر ما هو شح في الوقت ورغبة في التأمل.
قضايا مؤرقة
ولعرض عينة ممثلة من تلك القضايا التي شغلتنا أو شاغلت بعضنا عن متعة العيد سأضع لكل موضوع منها عنوانا خاصا وذلك من باب قلق المعرفة ولاراحة الجهل أو التجاهل لتلك الأمور المؤرقة. وقد كان من تلك المواضيع التي لم يوقف العيد سيل الحديث الحواري عنها في المنتديات مجلس الشورى وقانون التصدي للتحرش, مجلس الشورى وقانون تجريم التحريض الطائفي ونبذ التنابذ, الانتخابات البلدية المقبلة بمشاركة المواطنين رجالاً ونساء، الدراما الرمضانية على الشاشات ودراما واقع الاحتراب والانهيارات في دول الربيع العربي. موضوع كيف نقاوم التدعش الشبابي, وموضوع الاتفاق النووي الإيراني الغربي وأبدأ بالموضوع الأخير.
إيران اللانووية لا تقل قلقاً عن إيران النووية
شجعني على اختيار هذا العنوان قراءة أكثر من واحد من الزملاء لتوقيع اتفاق الوفاق بين إيران والغرب, بفك عزلة إيران المادية والمعنوية الطويلة مع ما كان تسميه بـ «الشيطان الأكبر الغرب بقيادة أمريكا» في هذا الوقت العصيب من التداعيات المرعبة في العالم العربي بتدخل إيراني ميليشي سافر, على أنه ارتبط بتاريخ من التراخي الإعلامي والدبلوماسي العربي وبخلل في رؤيتهما لصيرورة المباحثات الإيرانية الغربية لما يزيد على عشر سنوات منذ بداية تلك المفاوضات. ومع انه من المشروع ان نبحث في الأسباب التي جعلت الغرب بزعامة أمريكا يهتم بعد قطيعة طويلة لأكثر من ربع قرن مع إيران منذ انبثاق دولتها الإسلامية الطائفية, قبول عضويتها في المجتمع الدولي كثمن لتأجيل عضويتها في النادي النووي, فإنني لا أرى الاكتفاء بإلقاء اللائمة (كما فعل بعض الزملاء في بعض تلك المنتديات أو في مقالاتهم)، على مجرد تقصير الإعلام العربي في تناول خطورة الاتفاق النووي الإيراني الغربي أوعلى الموقف الدبلوماسي العربي والخليجي في التعاطي مع تلك المفاوضات المكوكية باستخفاف.
واعتراضي على ذلك لا يعود فقط لقناعتي السيسيولوجية بأن الأحداث المفصلية تتعدد فيها الأسباب وتتشابك، بل وأيضاً والأهم أن مثل ذلك الطرح اللوام للإعلام، وإن خال انه ينحو لتحديد المسؤولية فهو في رأيي تحديد ناقص قد ينجم عنه إعفاء الأطراف العربية والخليجية المسؤولة فعلاً وحقاً عن تقدم إيران على جبهة العمل الدولي وتأخرنا رغم أننا من خال أنه يتمتع بصداقة تاريخية لا تنفصم عراها مع الغرب وأمريكا بالذات. فهذا الإعلام الذي تنحى اللائمة عليه أو الدبلوماسية ماهما إلا جزء من منظومة نظام سياسي عربي نادراً ما ينطق فيه الإعلام بغير الخطاب الرسمي أومايتفق مع هوى الإعلام الرسمي ويجاريه. هذا فيما تحركاته الدبلوماسية نادراً ما يكون لها حركة تخالف ولو بالمناورة منظومة العزف المنفرد للنظام السياسي العربي. وأقول قولي هذا ليس لتمييع المسؤولية العربية عن مآلات الواقع العربي الذي أدى إلى تطور هذا الاتفاق النووي الإيراني الغربي بشكل تراكمي على رؤوس الاشهاد, ولا بغرض تفريق دم تلك المسؤولية بين المحرج وراعي المال ولكن لأننا مع جوارنا المزدوج لإيران اللانووية و»إسرائيل»النووية نقع بين شدقي الفك المفترس لأصعب جوار. فعلى أرضية مثل هذا الصفيح الحارق لهذا الجوار الجائر لا يمكن تحقيق الاستقرار والسلم الوطني والإقليمي دون نقد واستبصار نقدي صارم للحالة العربية وللنظام السياسي العربي على اختلاف دوله في علاقته الداخلية على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي العربي وفي علاقته الخارجية على المستوى الإقليمي والدولي. فقد تبدو محاولات إيران السابقة لتصدير نظامها الانعزالي الديني ومحاولات اختراق سيادة الدول العربية وتشويه نسيج المجتمع السلمي بالتحريض والاحتراب الطائفي إبان عداوتها المعلنة مع الغرب بهدف التسيد الإقليمي مجرد مزحة ثقيلة بالمقارنة «لتصهينها» المحتمل أسوة بـ»التصهين الإسرائيلي» بعد رد اعتبارها النفطي والمالي والسياسي بين القوى المؤثرة بالمجتمع الدولي. ولهذا فإنه ليس من العقلانية وليس من سيسولوجيا المستقبل السياسي أن نرتهن لتوقعات الرئيس الأمريكي باراك أوبما الرومانسية بأن إيران ستتحول من دولة ثوقراطية معادية لمحيطها الإقليمي إلى حمامة سلام «وواحة ديموقراطية» بعد تقليم أظافرها النووية المؤقت وانفتاحها «المتخيل» على قيم الغرب الديموقراطية إثر توقيع ذلك الاتفاق النووي معها. وهي إن فعلت فقد لا تعدو ان تكن حمامة سلام وواحة ديموقراطية على غرار الجوار الإسرائيلي الذي لايغريه الضعف العربي بغير تلك الغطرسة الإقليمية لنكون بين مطرقة عنصرية وسندان مذهبي. لا أكتب هذا الكلام يأسا بل أملا بأننا قد نملك خيارات افضل إلا إنها خيارات مشروطة بالخروج من واقع ردات الفعل على الفعل وبنقد الحالة ووضع الاصبع على الجرح السياسي في صميم بنية وعلاقات النظام العربي التي أوصلتنا لأن نكون ذلك اليتيم على مائدة اللئام. فهل سنقلب صفحات الاتفاق النووي الإيراني الغربي ونستسلم لواقع الحال ونقول «إذا ما طاعك الزمان طوعه» أو هل نفسح المجال لفكر مستنير بديل بصوت متعدد مشترك دولة ومجتمع ولخلق واقع مادي بديل يفرض من خلال احترامنا لأنفسنا وقوانا الذاتية احترامنا على الآخرين سواء اعتبرونا من الأعداء كإيران او من الأصدقاء كدولة الاحتلال الصهيوني. وهنا أتوقف عند هذا السؤال.
فللأسف لقد فاضت شجوننا العربية على هامش الاتفاق النووي الإيراني الغربي على مساحة المقال ولم أغط بعد الا موضوعا واحدا من القضايا التي شغلتنا وشغلت المنتديات الإلكترونية عن العيد فاعتذر. لأعود لتلك القضايا في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.
ليس أخيراً
عيد عدت لأمر فيه تجديد بإذن الله بقوى اجتماعية متلاحمة ووطن شامخ في الحق يخرجنا من ترميم الانهيارات إلى بناء جديد لمزيد من قيم العدالة الاجتماعية والحرية للفكر والإعلام والمشاركة السياسية والسيادة الوطنية. علنا نفكر في خطوط عريضة لمشتهى تحولات نستعيد بها زمام أمرنا فلا تصبح الجملة الأخيرة مجرد خاتمة ساذجة لجرح نرجسي تجدده الأعياد بينما نتصالح معه في روتيننا المعتاد.