د.موسى بن عيسى العويس
*ليست المرة الأولى التي نتناول فيها (أملاك الدولة) بوصفها ملكاً مشاعاً من حق الجميع أن يستفيد منها وينعم بها الجيل الحاضر، وجيل المستقبل، لكننا فيما مضى كان التركيز على تلك الممتلكات القائمة، المتمثلة في بعض المباني التي مضى على إنشائها أكثر من أربعين سنة، وتم الاستغناء عنها أو استبدالها وبقيت دون أن يستفاد منها لأيّ جهة كانت.
فكانت المطالبة باستثمارها بأيّ وسيلة تحقق مصلحة للمواطن بالدرجة الأولى، أو تكون ذا عائد مجد على الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية، لاسيما وأن بعضها يقع في مواقع حيوية لها جدواها في الاستثمار، في أي نشاط كان.
*الكثير تفاجأ وتساءل هذه الأيام عن عزم وزارة المالية ممثلة في (مصلحة أملاك الدولة) ببيع بعض المواقع التجارية والسكنية التي تمتلكها الدولة في بعض أحياء مدينة الرياض، بل وبالأحياء الراقية جداً.
* لا تزال هذه المواقع أراضي بيضاء لم يستفد منها حتى تاريخه، ولا أحد يختلف على أهمية هذا الحراك تجاه أملاك الدولة وضرورة استثمارها، إلا أن التساؤل الكبير الذي يطرح نفسه. هل هذه المواقع الحكومية طرحت على بعض المؤسسات الحكومية الخدمية ذات المساس بحياة المواطن، ومتطلبات عيشه ورفاهيته؟ وهل بالفعل أشعرت تلك المؤسسات وزارة المالية بعدم رغبتها فيها؟ هل أخذ بمرئيات (ديوان المراقبة العامة), (والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، وهما الجهتان المخولتان بالمحافظة على المال العام وأملاك الدولة من جهة، ومتابعة أوجه القصور في الخدمات العامة المقدمة للمواطنين من جهة أخرى؟ ورصدوها في تقاريرهم السنوية التي أعلنوا عنها بكل شفافية ووضوح، ولا أدري ماذا سيكون موقفهما حالياً أمام الواقع والمستقبل لمثل هذه الحالات ذات الأثر السلبي على احتياج المواطن؟.
*على سبيل المثال الجميع يعرف حجم معاناة المواطن في مدينة الرياض، وفي بعض أحياء شمال الرياض من عدم وجود مدارس في مبان حكومية، وإن وجدت ففي مبان مستأجرة، لا ظليل ولا تغني من اللهب، كان لها الأثر الكبير في استنزاف ميزانية الدولة دون أن تحقق الهدف من وجودها، وملاءمتها للبيئة التعليمية و التربوية. صحيح هناك أراضٍ خاصة بوزارة التربية، حررت على حين غفلة من الرقيب، إما لمواطن، أو لصالح مدارس أهلية أرهقت كاهل المواطن المغلوب على أمره. أستبعد أن (وزارة التعليم) أعطت وزارة المالية الضوء الأخضر في بيع تلك الأراضي في حي الرائد، والمحمدية، والنخيل، والملقا، وحطين، والياسمين، والنرجس، لاسيما وان هناك مطالبات رسمية ومثبتة في الإدارات ذات العلاقة بالاحتياج. والشيء نفسه، وإن كان بدرجة أقل ينطبق على احتياجات وزارة الصحة، والشرط، والدفاع المدني، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجمعيات التعاونية والخيرية، وغيرها من الجهات التي نرى حاجتها واضطرارها للاستئجار في تلك الأحياء، هذا كله فضلاً عن احتياج (وزارة الإسكان) حيث يعد السكن هو الهم الأول للمواطن، وللرأي العام على خلال السنوات العشر الأخيرة، ولا زالت المشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم، إذ لا يوجد مؤشرات مقنعة وملموسة يستبشر فيها المواطن ويتفاءل، والملاحظ للأسف الصمت المطبق من تلك الجهات.
*بالفعل كان الإعلان صدمة كبيرة، وأعطي المواطن والرأي العام معه ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة، وعدم الشعور بأهمية تكامل الأدوار بينهم. إذن استشعار المسؤولية من المسؤول تجاه حق المواطن وتلمس احتياجاته شعار يرفع، تتم المتاجرة فيه أحيانا، وفي أوقات وظروف معينة.
*مع ذلك لازال الأمل بوزارة المالية، ممثلة بوزيرها أن تستدرك على نفسها ما أقدمت عليه، سواء كان عن دراية ومعرفة، أو جهل منهم لأثر تلك الخطوة. الأهم في ذلك تصحيح المسار، أو الإفصاح عن الموضوع أمام الرأي العام.