سعد بن عبدالقادر القويعي
ليس عجباً، أن نؤكد على أن العنف الطائفي في العراق، تأجج بسبب سياسات المالكي الإقصائية، وخطابه المتشنّج، ولعبه على وتر تأجيج الفتن، والنعرات الطائفية؛ حتى أصبحت حكومته البائدة أكبر من ينفخ في كير الطائفية المقيتة، حين تسلطت فرقه - العسكرية والأمنية - على العراقيين بسفك دمائهم على قارعة الطرقات، وملاحقة أحزابهم المدنية، والعلمانية، والحضارية.
الطائفية شر مقيت، يهدد دولنا.. ولم تكن منطقتنا بهذا السوء إلا بعد تولي نوري المالكي رئاسة وزراء العراق؛ ليشعل من جديد داء الطائفية البغيض، وبرعاية إيرانية، تندرج ضمن وشائج عقائدية، وولائية، وتنظيمية.. وكنت قد كتبت مرة، أنه ما لم يتدخل عقلاء العراق؛ للإطاحة بحكومة المالكي الفارسية الطائفية، والعمل على إنقاذ الملف الأمني من الفشل، وتعديل مسار العملية السياسية للبلد، فإنني أخشى على العراق، أن يتحوَّل إلى نموذج لبنان نصر الله.
يوماً بعد آخر، يكشف المالكي مدى، واتساع حقده الطائفي على مكونات المجتمع العراقي السني، وارتكابه جرائم تطهير طائفي، - وعندئذٍ - فلن يكون مقبولاً أن يتحدث - مندوب إيران الحالي في العراق - نوري المالكي، تفاهة، وسماجة، وفي مقابلة تلفزيونية، أجرتها معه إحدى الفضائيات العراقية المحسوبة على حزبه، بأن: «جذر الإرهاب، وجذر التطرف، وجذر التكفير، هو من المذهب الوهابي في السعودية»، - معتبراً - أن: «الحكومة السعودية غير قادرة على ضبط هذا التوجه الوهابي التكفيري، وبسبب عجزها - فأنا أدعو -، أن تكون السعودية تحت الوصاية الدولية، وإلا سيبقى الإرهاب يتغذى من أموال السعودية، وينمو على حساب السعودية، وبيت الله الحرام»؛ لأنه يعلم يقيناً، أن تحالفه الرافضي الفارسي، هو الضمانة الوحيدة لاستقرار المنطقة، وإشغالها عن التنمية، وإلهاؤها بمشاكلها الطائفية، والمذهبية.. فهو من مارسَ التقية السياسية من منطلق: أن السياسة فن الممكن.
على أي حال، فلن أجد من يشهد على طائفية - رئيس الوزراء العراقي - نوري المالكي، أدق من شهادة - المرجع الديني - علي السيستاني، حين وجه انتقاداً شديد اللهجة ضد المالكي، واتهمه: «بانتهاج خطاب طائفي، وإقصائي ضد خصومه السياسيين»، في موقف يعكس تخلي المرجعية الشيعية في النجف عن رئيس الوزراء؛ ليعكس تصريح السيستاني عن عمق الأزمة الطائفية المتفاقمة - منذ أن تولى هذا الرجل -، ووصلت الأمور إلى أسوأ مراحلها في عامي 2006 م، و 2007 م.
إن واقع الدولة العراقية - اليوم -، أكد على أن سياسات نوري المالكي المجحفة في فترات حكمه الثلاث، تمادت - مع الأسف - في قتل العراقيين بدم بارد، من الذين طالبوا بتغيير الأوضاع؛ ليضطهد شعبه، ويسلب إرادته بقوة الحديد، والنار؛ فكانت سياسته - بلا شك - لا تخدم بناء عراق عادل، بل أضرت بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد؛ لأنه لم يظهر إرادته السياسية؛ من أجل إيقاف انتهاكات حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة، وتجاوز السلبيات القمعية، التي وقع بها في طريقة الحكم، وتقنين الثروات المهدرة، ووقف الممارسات الخاطئة، وإدارة الدولة وفق مصالحها العليا.
وبفضل ديناميكية التسييس الطائفي، الذي مارسه - رئيس الوزراء العراقي السابق - نوري المالكي، كان دلالة منه؛ لتحقيق المعنى الطائفي للتشيُّع الصفوي. ولم يعد خافياً على أحد دوره القبيح في تأجيج الاحتقان الطائفي في تاريخ العراق المعاصر، إن قتلاً على الهوية المذهبية، أو تطهيراً للورقة الطائفية، أو تهجيراً من مناطقهم، وتعريض المواطن العراقي للظلم، والاستلاب، والاغتراب بروح الطائفية، وتشجيع الممارسات المذهبية، والاستنجاد بمرجعية النجف في كل شيء؛ لتلعب إيران التي تقدم نفسها ممثلاً للشيعة في العالم، دوراً مهماً في رسم توجهات العراق، تحت مسمى الطائفية السياسية، حين برزت على أرض الواقع كإحدى حقائق اللحظة السياسية الراهنة بامتياز.. مع أنه - والحالة هذه - لن تخدم تلك السياسة الطائفية الحالة الأمنية في العراق، بل ستزيدها تعقيداً، وستعيدها إلى المربع الأول باستمرار التصفيات الطائفية، وانتشار العنف المسلح، وهذا ما عبَّر عنه بيان المجمع الفقهي العراقي، بأن: «الديمقراطية في العراق أفرزت مشروعاً بشكل، أو بآخر، يرمي إلى تغيير مفاهيم عدة، ويفتح باباً لصراعات، وحروب ترمي إلى إقامة دولة طائفية، تستهدف مكوناً بعينه في وجوده، وهويته، ورموزه، ومؤسساته، وفي مقدمتها: المساجد».
بل إن حكومة المالكي - السابقة -، استخدمت سياسة النهج الطائفي كوسيلة؛ لتبرير عملية التمييز ضد شرائح المجتمع العراقي، الأمر الذي زاد من عمق الانقسام بين السنّة، والشيعة.. ووظّفت - مع الأسف - تلك الورقة؛ لتحقيق أهدافها السياسية بغطاء مذهبي، أو ديني.. وكلما لاح في الأفق السياسي، توجيه مساءلة قانونية لرئيس الوزراء العراقي لجأ إلى البعد الخارجي الإيراني، وإلى نعرته الطائفية؛ لتغطية حقده الطائفي المؤجج للصراع بين السنَّة، والشيعة؛ من أجل إخضاع مكونات الشعب العراقي لإرادته بالقوة الغاشمة.. وما الظلم الذي تتعرض له الطائفة السنية إلا نتيجة حتمية لسياسة التمييز الطائفي، الذي اتخذ شكلاً غير مسبوق في عهد المالكي.
سعى نوري المالكي إلى تحقيق الهدف الإستراتيجي الأساس للاحتلال - الأمريكي والإيراني -، عن طريق تقسيم العراق إلى عدة كانتونات هزيلة، ومتصارعة، على أساس عرقي، وطائفي، وتجزئته تحت غطاء ديني، ومذهبي، وذلك ضمن تقاسم المصالح، ولاعتبارات تخدم مصالح دولية، وإقليمية؛ بسبب تاريخ العراق العظيم، وموقعه الجغرافي، وثرواته الطبيعية، وإمكانياته البشرية، وباعتبار أن الصورة العامة لهذه الغايات مصممة من خلال فكر ديني، وعنصري قائم على ثارات تاريخية، فكان الوضع الراهن بين إدارة العراق، والحكومة المركزية شاذاً، وغير مقبول مطلقاً، والدليل على ذلك، أن تفعيل الأقلمة، والفدرلة على حساب الوحدة الوطنية العراقية، هو هدف أمريكي، وإيراني، قد يتحقق إذا تنازل الشعب العراقي عن فكرة العراق الموحَّد، - وبالتالي - سينتقلون في المرحلة القادمة من فشل إلى فشل؛ نتيجة سياسات مارسها - يوماً ما - الطائفي البغيض المالكي، والتي أسست للانقسام، والتشرذم، والانشقاق، وتكريس الطائفية بعد إقصاء مكونات المجتمع العراقي، فآلت الأمور - مع الأسف - إلى تمزيق النسيج الوطني العراقي.
إن طغيان المصلحة الطائفية، وتعميم الفكر المذهبي، زاد من الهوة بين أطراف شرائح، ومكونات المجتمع العراقي؛ فلجأ صنَّاع سلطة المالكي الفاشلة، وميليشيات نظامه المجرم إلى الإفراط في استخدام القوة، والعنف؛ لتحقيق غايات بعض أفرادها بأسلوب غير شرعي، ولا عقلاني، ولا إنساني، وعملوا على هدم مؤسسات المجتمع المدني؛ ليتحوَّل مخططهم في نهاية الأمر إلى فشل المشروع الإصلاحي، والذي سعت إليه الحكومة العراقية - مع الأسف -؛ - ولذا - فإنه لا يمكننا بحال، أن نفصل العنف السياسي عن العنف الطائفي، باعتبار أن حكومة المالكي انتقلت من مرحلة الاستقطاب الطائفي إلى جرائم، ومجازر كبرى، ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء، إما عن طريق صرف الأنظار عن الاتجاه السياسي لطبيعة الصراع، أو من خلال اللعب بورقة الجماعات الإرهابية، حتى وإن ساهم النظام العراقي بوضوح في دعمها؛ من أجل تبرير سياساته القمعية.
لا زلت أذكر - بهدوء - شهادة - الشيخ - رافع الرفاعي - مفتي الديار العراقية -، بأن ما أقدم عليه - رئيس الوزراء العراقي - نوري المالكي من كيل الاتهامات جزافاً إلى المملكة في إحدى المناسبات الأليمة، إنما: «يعكس مدى تخبط السياسة العشوائية غير الممنهجة، التي لا تخدم العراق، وأهله، وأنه سلك طريق إحالة الأخطاء على رقاب الآخرين»، وكأنما أشار فضيلته إلى روح الطائفية التي مارسها هذا الرجل، وتشجيع الممارسات المذهبية. وامتداداً لما سبق، فليس غريباً أن يسفك المالكي دماء الأبرياء، ويمارس لعبة المفخخات المتفجرة، ويرتكب أفعالاً إرهابية، ويعمل على جعل العراق ساحة للصراعات - الإقليمية والدولية -، وتجنيد الإرهاب بأوسع أبوابه، وعرقلته لمسيرته السياسية، من أجل تفكيك النسيج العراقي؛ نتيجة سياساته الطائفية المقيتة، والقائمة على أسس ضيقة.. مع أنه أول من يعلم، بأن عمر الحكم الطائفي لن يكون مديداً.. وبقدر الخلاص من حصصه الطائفية، ستتقلص آلام الشعب العراقي، وستتلاشى الآثار الناجمة عنها، والمرتبطة بها.
يشهد التاريخ على المستوى السياسي، بدلاً من أن يُعالج المالكي فشله السلطوي، وتطرفه الطائفي، ويعمل على حماية شعبه، إذا به يكشف عن حقده الدفين ضد كل من يتبنى توجهاً غير ما يعتقد، مع تأكيد تام لطائفية حكومته، وانحيازها الكامل للمذهب الشيعي؛ من أجل خلط الأوراق، والتهرب من مسؤولياته، - إضافة - إلى حماية المصالح الإيرانية، وتطبيق سياسة الولي الفقيه في العراق.. فإيران هي من تتحكم بمفاتيح الوضع السياسي، والعمل على إرساء نظام طائفي في العراق.
كتبت مرة، أن ما يميز طائفية المالكي السياسية ولاؤه الخارجي للدولة الصفوية، وتعصبه لآرائه، وتطرف مواقفه، وعدوانية سلوكه.. فهو عدائي شرس لا يستكين، وعنيف أعمى لا يرحم. استطاع أن ينتهج سياسة التهييج، والاستقطاب، ويغذي الاندفاعات الطائفية، والعرقية. وعندما وجد الفرصة السانحة لترجمة تلك الصفات على أرض الواقع؛ لاستبدال العراق بنظام كرتوني، حاضنتها تهتك الهويات الأيديولوجية، والاجتماعية، عمل على تحقيق ذلك، كيف لا؟، وقد صاحب - ما سبق - الانزلاق نحو وتيرة الانخراط الشامل في المشروع الطائفي المعد للمنطقة.
لم يف المالكي بوعوده في ما يخص عملية المصالحة - إبان فترات حكمه المتهالك -، ومشاركة جميع القوى السياسية في عملية إدارة البلاد، والوصول بالمكونات العراقية الكبرى نحو شاطئ الأمان، فتملَّكه الاستبداد؛ حتى وإن وصل إلى السلطة بإرادة خارجية، باعتبار أن الحقائق السياسية باتت ثابتة على الأرض، بل وفي ظل احتدام الخلافات الداخلية بين المالكي، وشرائح عديدة داخل العراق، - خصوصاً - مع اشتداد الانهيار الأمني في الأشهر الأخيرة من فترة رئاسته، والتي من أهمها: خصومته مع سنّة العراق، فإن مواقفه الطائفية البغيضة، وعدائه للديمقراطية في العراق، وانسياقه خلف المصالح المؤقتة، - كلها - أمور لا يمكن أن تخطئها العين.. فانتماؤه المذهبي، وتأثيراته المرجعية الدينية، هما - مع الأسف - حسابات مرحلية يرددهما على الأقل في المرحلة الراهنة؛ من أجل كسب أصوات قوى الإسلام السياسي، وربح نقطة جيو سياسية فيها؛ ظناً منه أنه يستطيع استغلال الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة.
واجه العراق تحديات أمنية، وسياسية حادة، تطلبت إنقاذه، وإحلال السلام في الداخل العراقي، وإنهاء التدخلات الخارجية من العراق، وإلا فإن مصير العراق سيتجه نحو بداية الانهيار الحاصل، والمتوقع؛ بسبب تداعيات الحالة الموجودة، وقيام أنظمة طائفية في ظل غياب المجتمع الدولي في التعامل معها - بشكل فوري -، والتي أفضت - مع الأسف - إلى أوضاع سياسية، واقتصادية، وأمنية غاية في التردي؛ وليتحول العراق إلى بلد ممزق على شفا حرب أهلية، وحمام دم لا يمكن إيقافه.. وهو ما عبر عنه - نائب الرئيس العراقي المستقيل - طارق الهاشمي، حين أكد، بأن موقف المملكة «يعكس حرصها على إرساء الأمن، والسلام، ورغبتها الصادقة في الحفاظ على وحدة العراق، وسلامته، وإبعاد شبح الحروب الأهلية، والطائفية عنه، ودعم الشعب العراقي المغلوب على أمره»، وهذا ما دعا إليه - أيضاً - زعيم التيار الصدري، وميليشيا جيش المهدي في العراق مقتدى الصدر في لقاء على السكاي نيوز العربية، بأن: «المعتدلين السنّة وقعوا في أيدي الجماعات المتطرفة؛ وذلك بسبب الأعمال المتطرفة التي تقوم بها الميليشيات الشيعية المتطرفة»، داعياً في الوقت نفسه: «السعودية إلى الانفتاح على الشيعة، والتدخل؛ من أجل وقف النزعة الطائفية المتصاعدة في العراق، والمنطقة».. دون أن يتناسى جهود المملكة - ومنذ وقت مبكر -، لملمة الشتات العراقي، حين وجهت نداءً مخلصاً إلى كل الأطياف للقاء في الرياض؛ من أجل صياغة اتفاق وطني عراقي، يجنِّب العراق هذا المصير الذي يتردى فيه - الآن -، ويهدد وحدته، - وحتى - بقاءه.
لقد أغوت السلطة رئيس الوزراء العراقي بامتياز، وأغرته المكاسب، واستهوته الامتيازات، واستدرجته التطلعات عن المصلحة الوطنية العليا، فعمل على وأد آمال شعبه، وانتهك حقوقه، واستباح دمه؛ ومن أجل ذلك، جلب انغلاقه العقائدي كوارث للشعب العراقي؛ مستغلاً انتماءاتهم المذهبية، والعرقية؛ ليوظِّفها في مصالحه الشخصية. ويبدو أن النزعة الاستقلالية، والوطنية لوحدة العراق لم ترق لنوري المالكي، الذي لم يحرك ساكناً، بعد أن أعاد الاعتبار للنعرات الطائفية، والعرقية، والإثنية، وأرهقها بصراعات عدمية متخلفة؛ لتكون مفتاح مرور لهذه الأوراق إلى باقي البلدان العربية في المنطقة؛ ولتصبح سلطته خارج دائرة الفعل، ولم يعد لمواقفه أي وزن، أو تأثير؛ وليتحول هذا الرجل إلى أكبر كذابي التاريخ السياسي، الأمر الذي سهّل صناعة الإرهاب في العراق، وجعلها ساحة مفتوحة للتصادم الأهلي بين مكونات المجتمع.
بقوة الأمر الواقع، فقد ساهم المالكي مع سبق الإصرار في تدمير العراق، وتفتيت وحدة أراضيه، وذلك في مسلسل طويل منذ استلامه رئاسة الوزراء.. وها هو يتباكى على مصير العراق، بعد أن مارس نفاقاً سياسياً في أعمال إجرامية ضده؛ لكنك تجده مع كل ما سبق، يرفع عقيرته استنكاراً تحت شعار، «الدفاع عن وحدة الأراضي العراقية»، باعتبار أن ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي - في ما سبق -، كان له الفضل الكبير في قيادة الحركة السياسية بالبلاد، ولولاه لتمزق العراق، إلا أن منتقديه اعتبروه سبباً رئيساً في تفتيت وحدة البلاد، وسرق ثرواتها.
إن الوصف المشترك لمن مارس ضروب اللا إنسانية بحق العراقيين، لا يستحق أن يوصف بالإنسان، - خصوصاً - أولئك الذين تشكَّل وعيهم بعمق، فأصبح ضميرهم الإنساني غائباً في كل الظروف؛ لأنهم وضعوه في مأزق أمام أنفسهم، ثم أمام التاريخ.. ويكفي أن خطيب جمعة الرمادي في مركز محافظة الأنبار - الشيخ - عبد الله الجوعاني -، وصف نوري المالكي - ذات مرة -، بأنه «رجل خبيث لا يعرف معنى الحق، والإنسانية، بل تكبر في سلطته؛ حتى أصبح يستخدم طرقاً إجرامية.. وحرب المياه ضد الشعب العراقي، وتهديد المناطق السنيّة بالغرق؛ لكسب صوت باقي المحافظات في الانتخابات البرلمانية»؛ ليختصر لنا الشيخ بعباراته تلك، حصيلة خبرة مؤلمة عانى منها الواقع؛ ولتكون ترجمة دقيقة؛ من شأنها الوصول إلى تحديد المراحل القاسية، التي يعيشها الإنسان العراقي، دون مراعاة لجنسه، أو سنه، أو ظرفه الصحي، أو حتى دون مراعاة لاستصحاب الهمّ الإنساني على عمومه. في ظل هذا الضياع الذي يعيشه العراق - اليوم -، فإن الرهان على المالكي أصبح خاسراً إلى أبعد الحدود.. فمن جاء من بقايا مخلفات أجهزة القمع، والاضطهاد، لا يمكن أن يكون نصيراً للهمِّ الإنساني على مستوى الإيجاب، باعتبار أن معادلة المصالح، هي وهم شعاراتي استثنائي.. ونزعة العنف المستقبلية، تشير إلى العنف القائم في الماضي عبر الحاضر؛ لأنه فقدَ اتصالية الكون إلى انفصالية الجسد الأرضي، فغابت العدالة - حينئذ -، وتناقضت دساتير الجماعات المتمدنة، وتشعَّب به المطاف إلى مفترقين، أحدهما: سيؤدي إلى الانهيار، والآخر: سيتعرف فيه على حماقته، بعيداً عن وعيه؛ ولكن بعد فوات الأوان.
لم يُوفق المالكي - حتى اليوم - إلا في إعادة إنتاج الطائفية، وشرعنة الفساد، وإحياء مظاهر التوتر السياسي، وخلق الأزمات السياسية المتكررة، وتوتير العلاقات بين جميع الأطراف المحلية، والخارجية، - إضافة - إلى ضخ مزيد من الدماء بشكل يومي، بغض النظر عن تكوينها الطائفي، والعرقي، والإثني في المحصلة النهائية، فكانت تلك السياسة نوعاً من الانتحار السياسي؛ ولتصب في زاوية أقصى درجات التفرُّد الفاشل في السلطة.
في ظروف الأزمات، والمنعطفات الخطيرة، ستبقى السعودية قادرة - بإذن الله - على إجهاض المشروع الطائفي، واجتثاثه من أصله، بيقظة ساستها، واستقلاليتها عن المؤثرات الخارجية؛ من أجل إطلاق مسار البناء، وتعزيز التنمية، وتكريس التعايش السلمي، وهذه المبادئ جعلتها أمام العالم داعماً أساساً لشرعية الدولة في البحرين، ومصر، ولبنان، واليمن، وغيرها من دول المنطقة.
في نهاية المقال، فإنه يجب على العراقيين دعم الوثائق التي تدين المالكي في المحكمة الجنائية الدولية، وتصنيفه كمجرم حرب، وإدراج حزبه على قائمة المنظمات الإرهابية في العالم؛ لأنه أغرق العراق في بحر من الدماء؛ ثأراً لثارات تاريخية، وأحقاد طائفية، وأطماع إيرانية توسعية؛ من أجل تحقيق مشروعها في انتشار المد الصفوي.. وأغفل في المقابل، بناءً سياسياً موحداً ضمن إطار الوطن الواحد؛ ليستوعب الجميع، دون النظر إلى انتماءاتهم الأخرى.