فيصل أكرم
صحيح أن كثيراً من الأدباء في أنحاء العالم قد وصلوا إلى (العالمية) بشكل أو بآخر، ولكنها تبقى مجرد أشكال لعالمية محدودة الزوايا والآماد. وتبقى آفاقها محصورة بظلال الترجمة والطباعة والتوزيع والعرض. ويبقى الطلبُ مقيّداً بشروط البحث والدراسات ومتطلبات الأعمال الأكاديمية أو الإعلامية، وكل ذلك في واد والعالمية الطبيعية في أودية أخرى ليست بالضرورة أن تكون مفتوحة على العالم بقدر ما هي تغلق العالم عليها!
العالمية الأكثر شهرة في العالم هي عالمية السينما ونجومها، بلا منازع. فحتى نجوم الأغاني والمصارعة الحرة والسياسة والعلوم يضطرون في فترات من مراحلهم لتتويج عالميتهم بأفلام سينمائية تضعهم حيث يريدون من المكانة التي يرونها لعالميتهم.
أعجبتني مقالة الشاعر اللبناني إلياس لحود في افتتاحية مجلته (كتابات معاصرة) العدد الأخير 96 تحت عنوان (كأنه كان يحدث سرّاً) والمقالة تتحدث عن الممثل السينمائي المصري العالمي الراحل (عمر الشريف) وتنقل مقتطفات من أحاديث وحوارات ومقابلات معه. ومما جاء فيها هذا الوصف الصريح للعالمية من رجل حقق العالمية حتى باتت الصفة الأبرز له؛ يقول: (نفكّر بالعالمية لأننا لا عالمية لنا في عالمٍ متخلّف. الأميركي، الفرنسي، السويدي، لا يفكّر بالعالمية.. لأنه عالمي)!
وفي نواح أخرى من النواحي التي نتصورها تأخذنا من العالم المتخلف إلى العالمية نقطع من أجلها مسافات أبعد من العالم نفسه، نتصادم مع منجزاتنا في موازين سماسرة العالمية والعاملين على التبشير بها والارتزاق من أوهامها، فيأتيك ناشرٌ بعرض سخيّ في الوعود ولا يطلب منك إلا السخاء المباشر في مدّه بالنقود؛ لتصبح عالمياً!
هل أنت شاعرٌ؟ أديبٌ؟ روائيّ؟ مفكّر؟ ناقد؟ هل أنت تكتب بلغة عربية؟ هل تطمح إلى العالمية؟ مهلاً. كيف: عربية وعالمية؟ هل القصد عربية وإنجليزية؟ لا. عالمية. كل لغة غير العربية هي لغة عالمية؟ هل هذا معتقدُ المثقفين؟ سحقاً!
(نفكر بالعالمية لأننا لا عالمية لنا. الأميركي، الفرنسي، السويدي لا يفكّر بالعالمية لأنه عالمي) تلك العبارة من النجم العالمي عمر الشريف (ميشال شلهوب) المتوفى قبل أشهر قليلة في مصحة بهمن بحلوان مصر اختصرت كثيراً من المزايدات والطموحات والمناورات والمحاولات والأوهام حول العالمية ونحوها، ولم تكن كلمته رأياً يقبل النقض برأي مضاد، بل كانت خلاصة تجربة وعنواناً عريضاً في وصف العالمية التي عرفها جيداً وعُرف بها جداً.
وبمنتهى الخلاصة، أقولُ عن ثقة تشبه الإحباط اقتناعاً: العالمية ليست جائزة، وليست تكريماً، وليست إنجازاً، وليست رواجاً ولا انتشاراً ولا تضخيماً ولا تفخيماً. إنها بكل بساطة ليست سوى الاندماج في عالمٍ عالميٍّ، ومن ثمّ الانطلاق منه إليه؛ لا أكثر!