د. عيد بن مسعود الجهني
يشهد عالمنا المعاصر في ألفيته الثالثة نزاعات ومؤثرات وخصومات وعداءات وأزمات وصراعات وحروب ضروس في العديد من دول كوكبنا الأرضي وإن كان تركزها في الغالب الأعم في ديارنا العربية وفي القارة السوداء، تجعل عالمنا اليوم قابلاً للانفجار في أي لحظة إذا لم ينهض العقلاء لإطفاء لهيب هذه الأزمات الخطيرة
والمعرجات والتصعيدات المشتعلة غير المسبوقة منذ الحرب الكونية الثانية.
المشهد العالمي يقول بأن كوكبنا الأرضي قد يكون على أبواب حرب عالمية لا تُبقي ولا تذر، وصحيح أن زج الردع النووي كما حدث عام 1945 أصبح أنه ليس في الحسبان اليوم حدوث مواجهة عسكرية كبرى مباشرة بين أكبر قطبين يملكان أكبر ترسانة نووية، الولايات المتحدة أكثر من (7000) من هذا السلاح المدمر وروسيا أكثر من (8000)، فالأولى أمريكا دمرت بعض جزر اليابان فور امتلاكها السلاح النووي لتنهي الحرب العالمية الثانية، وروسيا بعدها بسنوات امتلكت هذا السلاح الرهيب ليبدأ السباق العسكري المجنون.
الدولتان لم يسبق لهما أن واجها بعضهما البعض على أرضهما حتى والحرب الباردة بين الدب الروسي والغول الأمريكي على أشدها منذ الستينيات وحتى انهيار جدار برلين 1989 ومعه الاتحاد السوفييتي (السابق)، فالدولتان صدّرا مواجهاتهما العسكرية لدول عديدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تصدير القوتين لصراعاتهما خارج الحدود خلال زمن الحرب الباردة هدفه استعماري واقتصادي وإضعاف كل طرف للآخر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولذا عندما غزا الروس أفغانستان عام 1979 اعتبرت الولايات المتحدة ذلك الغزو والاحتلال فرصة كانت تنتظرها، فجيّش البيت الأبيض المسلمين ضد الروس الذين تقبلوا الأمر باعتبار أن الشيوعيين يعتبرون الدين (أفيون الشعوب)، فانضم للحلف المناهض لاحتلال أفغانستان أكثر من (250) ألفاً من المسلمين من كل أصقاع الأرض.
دارت رحى الحرب على تلك الأرض ليخرج من رحمها ضعف قوة الروس في الأرض ليصبح احتلالهم لأفغانستان أحد الأسباب الرئيسة ليعلن جورباتشوف انهيار إمبراطورية بلاده لتعود إلى حدودها الطبيعية وتتناثر الدول التي كانت تسير في فلكها مستقلة وملحق بعضها بالاتحاد الأوربي، وبقي الآخر دولاً مستقلة يعتريها الضعف ويخرج من رحم ذلك الانهيار الرهيب القاعدة وطالبان اللذان هما صنيعة الإدارة الأمريكية، كما أن داعش وغيرها ما هي إلا صنيعة ذلك البيت الأبيض الذي احتل العراق جهاراً نهاراً وسلّمه على طبق من ذهب لإيران وروسيا لنرى هذا العبث الشيطاني في أرض الرافدين التي جزأ فيها المجزأ على طريقة بايدن وتصبح أرضاً خصبة يعيث فيها الصفويون ظلماً وفساداً ضد السنّة الذين اكتووا بنارهم وقادتهم لتتحول العراق إلى كانتونات بسبب هذا الظلم الأمريكي والصفوي.
وفي ظل تراخي السيد أوباما وعودته عن كل وعوده النارية بشأن النظام في سوريا الذي يحرق شعبه تحمس (بوتن) وأمريكا بحزبيها الديمقراطي والجمهوري منهمكين في سباق انتخابات الرئاسة لعام 2016، وبلاد العم سام تغرق في بحر من الديون يبلغ حوالي (16) ترليون دولار لإحياء حرب باردة جديدة ليبدأ بوتن بإرسال قواته العسكرية للقتال لدعم طاغية الشام، رغم تواجد الولايات المتحدة وتحالف تقوده للتصدي لداعش من (الجو)، أما بوتن فتقدم مسرعاً بخيله ورجله على الأرض ومن البحر في قزوين من على حاملة طائرات يضرب بلداً عربياً بصواريخ حديثة وصفت بأنها أحدث من صواريخ تايماهوك الأمريكية، وبطيران حديث متطور كلف تطوير هذا النوع الجديد من الطائرات الحربية المقاتلة والصواريخ الخزانة الروسية عشرات المليارات من الدولارات لدعم دكتاتور (أحمق) يقاتل إلى جواره الفرس وحزب الشيطان بكل قواتهما.
حقيقة الأمر أن قيصر روسيا يدرك أن علاقته مع الإدارة الأمريكية قاعدتاها التنافس والتعاون.. ويدرك الرجل أيضا أن فوزه في رهان سوريا إذا تحقق يمنحه موقعاً جديداً في المنطقة، بل وتحديد معالم الشرق الأوسط الجديد، في ظل تراجع دور أمريكا في الديار العربية، وتحديداً في العراق وليبيا وبلاد الشام، بعد أن سمح أوباما لدكتاتور الشام خرق الخط الأحمر الذي وضعه فيما يتعلق بقضية الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي جعل بوتن يظهر على الساحة الدولية بقواتها المتطورة الجديدة ليضرب عصفورين بحجر اختبار قدرات أسلحته الفتاكة التي تستعمل لأول مرة والوقوف بقوة إلى جانب جزار سوريا.
أما اليمن فقد خرجت من العباءة الأمريكية بقيام تحالف عربي تقوده المملكة مهمته إعادة الأمل لذلك الشعب الشقيق الذي تعاون عليه الإيرانيون والحوثيون وعلي صالح المخلوع.
المهم أن عالمنا اليوم يشهد صراعاً محموماً مصحوباً في موجة إرهاب تدور رحاها في الشرق الأوسط المهيأ لخريف جديد في زمن استطاعت الصين أن تضع اسمها بقوة على خارطة العالم الاقتصادية والعسكرية كمنافس قوي للروس والأمريكان، وهذا بطبيعة الحال ليس مقبولاً لدى الإدارة الأمريكية التي تمتعت لأكثر من عقدين كقطب أوحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
هذا الغضب الأمريكي من صعود الصين كان جلياً في المناظرات التي دارت مؤخراً في CNN بين المترشحين للفوز بأهم وظيفة في العالم (كرسي البيت الأبيض)، ورغم ذلك فإن الصين قادمة في صعودها المستمر وروسيا التي أجهدها الحصار الاقتصادي الأمريكي والأوربي بسبب الأزمة الأوكرانية ماضية في تحديها لحف الناتو خصوصاً بعد أن نشرت الإدارة الأمريكية قواعد عسكرية في كل من بولندا والتشيك.
الشرق الأوسط مستودع الطاقة في العالم حيث نصيب الدول العربية لوحدها من احتياطي النفط لوحده (57.7) في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي، ويمر عبر مضايقه وقنواته أكثر من 50 في المئة من تجارة العالم، ومع هذه النزاعات والحروب التي تدور رحاها على أرضه، والدولة العبرية ابتلعت أكثر من (80) في المئة من الأراضي الفلسطينية منذ تأسيس هذا الكيان العنصري على بلاد العرب، وها هي اليوم تحرق الإنسان والشجر والحجر في القدس الشريف وتدنسه ولا كلمة تسمع سوى الشجب والاستنكار من المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا (الظالمة).
إذاً، لا يسمع اليوم سوى طبول نيران حرب كونية ثالثة، وإن كانت بداياتها احتلال العراق وانهيار أنظمة حكم استبدادية، وبلاد أخرى مهددة بخلافات داخلية منها لبنان الذي يشهد صراعات داخلية يغذيها حزب الشيطان وإيران، السودان استطاع الغرب بقيادة أمريكا دفع هذا البلد إلى حروب أهلية وخلافات سياسية نتيجتها الحتمية انفصال الجنوب عن الشمال ليصبح الدولة رقم (193)، وما زالت دارفور وغيرها مصدر خلافات سياسية حادة في ذلك البلد.
وما زالت بعض الدول العربية تشهد خلافات داخلية تغذيها أطراف خارجية، ومنها دولة الفرس التي أصبحت تدخلاتها جهاراً نهاراً في دولة الكويت ومملكة البحرين واليمن الذي نجا من ذلك المخطط الأسود بقيادة المملكة لتحالف عربي قوي، لإنقاذ ذلك البلد من براثن الصراعات والحروب التي تغذيها الفتن والتدخلات الإيرانية داعمة لرئيس مخلوع ولعصابة الحوثيين الإرهابية، ولا يختلف الأمر في كل من العراق وبلاد الشام، فملالي طهران ماضون في مشروعهم الطائفي السيئ السمعة حتى يقضي على أحلامهم.
يمكننا القول إن الشرق الأوسط يعيش حالة اشتعال بسبب أن الفرس المتضامنين مع الروس يتدخلون سراً وعلناً في الشؤون الداخلية لدول المنطقة عامة من الخليج إلى المحيط، وروسيا تقف بقوة إلى جانبهم على الأرض، ولم تعد الحروب تُدار بالوكالة، بل بالفعل فالمقاتلون روس وإيرانيون وجنود حزب الشيطان والأسلحة كذلك على أرض سوريا، والقوى الكبرى أمريكا والناتو يراقبون من بعيد وإن كانت مساحة الحرب تتسع يوماً بعد آخر منتظرة أطرافاً أخرى لتدخل ساحة الحروب.
وعلى العرب في هذا السيناريو الرهيب أن يعوا الدروس والعبر، فهم المستهدفون بهذه الهجمة الاستعمارية العدائية الفارسية والصهيونية ومعهم روسيا ودول كبرى أخرى تكشّر عن أنيابها تغذي هذه الصراعات والنزاعات والحروب.. وتدعم وتموِّن الإرهاب على أرض العرب.. والعرب متفرجون على مشهد سيناريو عالمي شديد الخطورة ضمن تحالفات تُدار على أرضهم كالحلف الروسي - الإيراني.. العراقي - السوري.. لضرب أهل الشام.
وليس أمام العرب سوى البعد عن التشتت والتشرذم والانقسام والانكسار بالوحدة والتضامن وبناء القوة.. ففيها حماية للمقدرات والمكتسبات والسيادة والشعوب.. فهي المطلب الأول.. ولا شك أن في تأكيد مبدأ التعاون والصداقة، بل والتحالف مع دول كبرى والعمل على خلق توازنات دولية فيه دعم للقوة.. إذا كان ذلك الحلف يبعد الشر ويقرب الخير خصوصاً ونحن نسمع طبول حرب عالمية ثالثة تقرع بقوة.
فالحروب الطاحنة قد تقع لأبسط الأسباب وتترك صفحات سوداء مشوهة في تاريخ البشرية، فالحرب العالمية الأولى كان سببها الرئيس اغتيال ولي عهد النمسا على يد طالب صربي، فاشتعلت الحرب، والحرب الكونية الثانية جاءت بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 أعقبها هجوم هتلر صاحب كتاب (كفاحي) على بولندا رغبة في التوسع، فشبت نار تلك الحرب المدمرة، ومع انتهاء فاشيتها عاش العالم حروباً منها الحرب الباردة، وحرب فيتنام، وحروب 1956، 1967، 1973 واحتلال أفغانستان 1979، ثم احتلاله من قبل أمريكا، وحرب إيران والعراق استمرت لـ (8) سنوات واحتلال الكويت 1990 وتحريرها، واحتلال العراق 2003 وغيرها من الحروب.
كل هذه هي مقدمات حرب كونية ثالثة تتضح معالمها الحقيقية في زماننا هذا في الصراع بين روسيا والولايات المتحدة حول مناطق النفوذ على الطاقة والمواقع الإستراتيجية في العالم.. هذا الصراع قد تكون ساحته الشرق الأوسط وقد يمتد إلى مناطق أخرى في العالم، ومن يقرأ التاريخ السياسي والإستراتيجيات الدولية يرى أن الولايات المتحدة نقلت صواريخها الدفاعية إلى حدود روسيا.. وجورجيا تدعم أمريكيا وتعتبر أمريكا أن روسيا تمثّل خطراً حقيقياً على حلفائها مثل تايوان وكوريا الجنوبية، بل وأوكرانيا التي التهم بوتن بعض أجزاء منها كجزيرة القرم وغيرها.
لكن الأهم من كل ذلك أن روسيا تقف بقوة إلى جانب إيران وسوريا.. والأمور هنا تسير في خط مستقيم نحو الانفجار الذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، فإيران وسوريا تقعان في قلب (قوة الطاقة) أكثر من (62) في المئة من احتياطي النفط المؤكد في العالم في منطقة الخليج العربي، ومضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس هناك.. رئة العالم في الخليج العربي، فبالأمس تصارع عليه الكبار من أجل الإستراتيجية.. واليوم من أجل الطاقة والإستراتيجية.
وإذا كانت روسيا ومعها إيران قد مدتا أذرعهما العسكرية إلى سوريا متحدين العالم، فإن روسيا صاحبة القاعدة العسكرية في طرطوس وأخرى تحت الإنشاء في اللاذقية ومعها الفرس قد دقوا إسفيناً في علاقتهم بالعالم العربي والإسلامي، بل إن الدولتين أعلنتا حرباً مفتوحة على الدول الإسلامية.. والمحصلة النهائية قد تكون نهاية بائسة لإمبراطورية روسيا المقصودة في الشرق الأوسط.. فستخسر على أرض المعركة في سوريا، فقواتها العسكرية ومعها قوات طهران الداعمة للمجرم بشار مصيرها الخذلان، وسقوط نظام دكتاتور يبيد الشعب السوري، لتمثّل أزمة بلاد الشام بالنسبة لروسيا القشة التي قد تقصم ظهر البعير كما مثّل احتلالها لأفغانستان أفول إمبراطورية الشر، فقد يصبح العدوان على بلاد الشام ناقوس الخطر.. سقوط إمبراطورية الجهل والظلام ومعها غطرسة ملالي طهران!!
.. وللحديث بقية.
والله ولي التوفيق.