د. خالد محمد باطرفي
في اسطنبول، الأسبوع الماضي، أتيحت لي الفرصة لمناقشة العلاقات السعودية التركية مع العديد من السياسيين والأكاديميين والإعلاميين، بمناسبة زيارة وزير الخارجية عادل الجبير، لأنقرة والمؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره التركي، سينيرلي أوغلو.
الأخوة الأتراك يتذكرون باعتزاز آخر زيارة قام بها الأمير (الملك) سلمان لتركيا عام 2013م. فخلال هذه الزيارة، تم توقيع اتفاقيات تعاون ضخمة تشمل مشاريع تصنيع عسكرية وصناعية متقدمة. كما أكد البلدان اتفاقهما بشأن الأزمة السورية وناقشا الملف النووي الإيراني، والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس، والانتهاكات اليهودية في المسجد الأقصى. (نوقشت القضايا ذاتها في زيارة الجبير. فعالمنا، على ما يبدو، لم يتغير كثيراً في ثلاث سنوات!).
قلت لزملائي الأتراك ما كانوا يأملونه ويتمنون تأكيده من أن العلاقة الإستراتجية مع المملكة في غياب الدور القيادي لدول المنطقة العربية، مصر وسوريا والعراق، وفي أعقاب «الخريف العربي»، أصبحت هي السد الحصين أمام التوغل الإيراني في المنطقة العربية. وازدادت أهمية هذه العلاقة مع غزو روسيا، وتزايد عدد اللاجئين في المخيمات التركية إلى ما يتجاوز المليونين والنصف، وتعاون النظام السوري مع داعش وحزب العمل الكردستاني ضد المصالح التركية.
فبعد أن بدا أن الحل السياسي أقرب إلى التحقق، مع تضعضع جيش النظام، واستنزاف المحتل الإيراني، دخل الدب الروسي إلى حلبة الصراع بأقدامه الثقيلة ومخالبه الغليظة، ليعطي الأمل للنظام ورعاته بعمر ولو قصير، ويفشل مخطط الحل، ويعيدنا إلى المربع الأول.
ولا يهم تحالف روسيا وعملائها مع إيران والعراق وإسرائيل وداعش فداحة الكلفة البشرية بمقتل ربع مليون سوري وتهجير 12 مليوناً، والدمار الشامل للبلاد، طالما بقي رجل واحد، بشار الأسد، يشهد حريق بلاده كما وقف الإمبراطور الروماني، نيرون، ليستمتع بحريق روما.
والسر في ذلك أن الأسد وحده من بيده مفاتيح تحقيق مصالحهم الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية، بمنحهم شرعية احتلال بلده وحكم شعبه.
فإيران لن تتمكن من تحقيق مخططها الصفوي بربط أراضيها بالعراق وسوريا ولبنان، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، دون أن يكون لها سلطة في سوريا، كما في العراق. وروسيا بدون الأسد ستفقد قاعدتها الدولية الوحيدة في طرطوس، وكنوزاً بترولية ومعدنية تقدر ببلايين الدولارات، إضافة إلى استثماراتها وديونها الهائلة المستحقة على النظام السوري.
كما أن كرامة الروس التي نزفت في حروبها السابقة من أفغانستان والشيشان، إلى جورجيا وأوكرانيا، تبحث عن انتصار كبير تستعيد به كرامتها وحضورها الدولي، وتساوم به الغرب في شأن أوكرانيا.
لسوء الحظ أن التحالف الذي تقوده روسيا يسيء تقدير عزيمة وصلابة وإصرار السعوديين والأتراك والمقاومة السورية المعتدلة. ومع أن النصر في نهاية المطاف سيكون لنا، بإذن الله، فإن الثمن سيكون ثقيلاً على الجميع، خاصة الشعب السوري الشقيق. وعلى الغرب أن يدفع حصته أيضاً من تداعيات الإرهاب، واستضافة حوالي مليون ونصف المليون لاجئ سوري متوقع وصولهم إلى أوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى دول المنطقة.
واللافت هنا أن المعفي من فاتورة الاستضافة هم بلدان المعسكر الروسي- الإيراني التي اختارت أن تهدر مقدرات شعوبها على دعم آلة الحرب والدمار في سوريا وليس على آلة التنمية والبناء.
ولذا فقد انتهيت إلى اتفاق مع الأخوة الأتراك الذين التقيت بهم على أهمية التعاون السعودي-التركي في مواجهة قوى الشر في المنطقة، وأن شعوب المنطقة تعلق آمالها على البلدين في إنقاذها من الدمار الشامل والاحتلال الأجنبي. كما نأمل أن تشارك الدول الإسلامية الكبرى الأخرى في هذا الائتلاف الإسلامي، وأولها باكستان.