حمّاد السالمي
«وجاء سؤالي هذا بصيغ مختلفة في حوار مباشر مع قياديين في (شركة المياه الوطنية)؛ في لقائين متتاليين في مجلس محافظ الطائف قبيل حج العام الفارط 1436هـ.
«ربما تتساءلون هنا: وما شأن (شركة المياه الوطنية) المتخصصة في مياه الشرب؛ في مرافق مائية هي شأن زراعي بحت..؟!!
«كان هذا السؤال محور بحثي عن تفسير منطقي يجلي الرؤية عن حال السدود المائية (العشرين) في (محافظة الطائف)، فقد زرت الكثير منها قبل أكثر من شهرين مع هطول الأمطار والسيول التي جرت بها عدة أودية حول الطائف مرات عدة، ولاحظت أنها مفتّحة الأبواب منذ عدة سنوات، لا يستقر بها ماء، ولا تخضع لرقابة، ولا تصان، وكأنها ساقطة من حسابات الجهات المشرفة عليها.
«ولأن وزارة الزراعية هي التي شيّدت وبنت هذه السدود على مدى عدة عقود، وكلفت الدولة مليارات الريالات دون شك، وكانت تتفقدها وتتعهدها وتعمل على تشغيلها، فقد سألت قياديين في فرع وزارة الزراعة في الطائف عن حال سدود الطائف المائية، فكان جوابهم: أنها أصبحت من مسئوليات (وزارة المياه والكهرباء) منذ عدة سنوات، والتي سلمتها بدورها لـ(شركة المياه الوطنية)..!
«طرحت عدة أسئلة في مجلس محافظ الطائف بحضور مدير (شركة المياه الوطنية) مرة، ومندوب عن الشركة مرة أخرى، وكنت أعرض لظاهرة نقص مياه الشرب الحاد في الطائف قبيل الحج. لم أتلق أي إجابة مفيدة، بل تم تجاهل الأمر وكأن هذه السدود غير موجودة على خارطة عمل الشركة..!
«هل الطائف وحدها التي تعاني هذه المعضلة الجسيمة..؟ أم أن سدود المملكة كلها أسندت لشركة المياه التي ربما لا تعرف عنها شيئاً..!
«لماذا نثير هذه القضية..؟
«تشير مصادر رسمية؛ إلى أن عدد السدود المائية المنفذة في مناطق المملكة المختلفة حتى نهاية الربع الأول من عام 1427هـ (230) سداً، بلغ إجمالي طاقتها التخزينية (1.138.776.375) مترًا مكعبًا.
«لماذا حرصت الدولة على تشييد السدود المائية في مختلف المناطق..؟
«تقول مصادر (وزارة المياه والكهرباء)؛ التي تسلمت هذه السدود جاهزة من الوزارة المنفذة: (وزارة الزراعة): أن الأهداف تنحصر في توفير المياه الجوفية في منطقة السد، وتوفير الرواة للآبار في المناطق خلفه، وكذلك تأمين مياه الشرب لبعض المناطق من خلال محطات التنقية المقامة على السدود، وتأمين مياه الري للأغراض الزراعية بالري المباشر للمناطق الزراعية خلف السدود عن طريق مشاريع الري المنظمة لذلك، وحماية المدن والقرى من أخطار السيول وغوائل الفيضانات، والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
«إذن.. كيف تتحقق هذه الأهداف أو يتحقق بعض منها؛ إذا كانت هذه السدود- وحسب مشاهداتي ومعرفتي بها على أرض الواقع في محيط محافظة الطائف- مهملة، ومفتحة الأبواب طوال السنوات الفارطة، فالسيول الكثيرة التي تشهدها الأودية تذهب هباءً منثورًا، فلا تخزن خلف سد منها، ولا يتم توجيهها للاستفادة منها في قنوات ري بشري أو زراعي، وتشهد مناطق السدود جفافًا بعد كل سيل يمر بها، وتظل الآبار أمام السد وخلف السد فارغة من أي رواة مستهدفة من بناء السدود..!
«السدود المائية في عموم المملكة؛ كانت في الأساس لغرض التنمية الزراعية، ولهذا تولتها (وزارة الزراعة)، ثم جرى ضمها إلى (وزارة المياه والكهرباء)، ثم تأتي هذه فتحيلها إلى (شركة المياه الوطنية)..؟!!
«من يحل لنا هذا اللغز العصيب الذي سلخ مرافق زراعية من إدارتها الأساسية؛ إلى جهة تهتم بسقيا الناس وليس سقيا الزروع وذوات الضروع ورواء الآبار..؟!
«أحاول أن أفهم هذه المعادلة التصنيفية في إدارة المسئولية بين جهتين حكوميتين وشركة استثمارية.. وأن أفهم أكثر موقف (وزارة المياه والكهرباء) من هذه الحالة الغريبة العجيبة، وهل شركة المياه تعرف أنها مسئولة عن مئات السدود المائية في المملكة.؟! وكيف تتدبر تشغيلها لتحقيق الأهداف التي رسمتها الدولة للاستفادة منها في الري والزراعة كهدف أولي من وجودها..؟!
«تقول مصادر (وزارة المياه والكهرباء) الآتي: (إن وزارة المياه والكهرباء في السعودية هي المسئولة عن السدود، وتولي إنشاء السدود اهتمامًا كبيرًا كونها تؤدي دورًا رئيسيًا في توفير مياه الشرب وأهميتها في الحفاظ على الممتلكات والأرواح، إضافة لدورها المهم في دعم مصادر المياه الجوفية للأغراض الزراعية. كما تسعى لإعداد الدراسات المتعلقة بإنشاء هذه السدود في مختلف مناطق المملكة، وزيادة أعدادها حسب حاجة هذه المناطق).
«انطلاقًا من هذه المسئولية يا (وزارة المياه والكهرباء)، ويا (شركة المياه الوطنية) التي تشرف عليها (وزارة المياه): ماذا فعلتم حيال تشغيل هذه السدود..؟! كم سداً تعرفون أنه يستقبل سيل واديه ويحتفظ به خلفه..؟! ماذا وفرتم من مياه خلف هذه السدود؛ لخدمة الزراعة في مناطق السدود المائية، تلك التي تحولت في عهدكم إلى ممرات لثروات مائية تسيح في الصحاري دون أن يستفيد منها لا بشر ولا شجر ولا بقر..!
«دعونا نتذكر؛ أن من منجزاتنا الحضارية في وطننا الجميل؛ (230) سداً مائيًا تحتاج إلى تفقد، وصيانة، وتشغيل وتفعيل، وأن تحقق الهدف الأسمى منها، وهو توفير الرواة لآبار الأودية، وتنمية الزراعة في محيطها، وسقيا القرى المجاورة لها.