د. خالد محمد باطرفي
انتهجت إيران أسلوب الدفاع عن حقوق الإنسان في البلدان العربية، ولكن ماذا عن حال تلك الحقوق فيها؟
حضرت الأسبوع الماضي مؤتمرا في إسطنبول نظمه مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتجية، تحت عنوان «واقع حقوق الإنسان والأقليات في المجتمع الإيراني،» حيث ناقش الباحثون القادمون من داخل إيران أحوالهم، كما رصدوها ورصدتها المنظمات المحلية والأممية.
قد يدهش الكثيرون عندما يعلمون أن الفرس لا يشكلون أكثر من ثلث الشعب في إيران، أما البقية فهم من العرب والأكراد والبلوش والترك والأذربيجانيين. وفي حين أن الطائفة الشيعية تشكل أغلبية 60%، فليسوا جميعاً من طبقة واحدة. فهناك الفرس الشيعة، ويعتبرون مواطني الدرجة الأولى، ثم هناك غيرهم من الأعراق كالعرب والأذربيجان، وتتم معاملتهم كمواطني درجة ثانية.
يعيش معظم الشيعة العرب في منطقة (عربستان) وعاصمتها الأحواز، على الخليج العربي، حيث معظم حقول النفط والغاز والمعادن والثروة السمكية. وفيها الموانئ الرئيسية، بندر عباس وبوشهر التي تضم أكبر المفاعلات النووية، وبدون عربستان ليس لإيران إطلالة على الخليج العربي، ولا يصح إطلاق اسم الخليج الفارسي عليه.
قدم العرب الأحواز في المؤتمر صورة تفصيلية عن الوضع المأسوي في وطنهم، منذ احتلال إيران لهذه الإمارة العربية عام 1925، وإطلاق مشروعها لإلغاء الهوية العربية، ومحو ثقافتها وتاريخها ولغتها.
ومنطقة الأحواز العربية التي تنتج 80% من نفط إيران، هي الأكثر فقرا والأقل نموا، كما أن سياسة العمل والتوظيف والقبول الجامعي متحيزة ضدهم، وضد الأقليات غير الفارسية عموما. أما المناصب القيادية في الدولة والجيش فهي مخصصة للفرس الشيعة، ولا يسمح لغيرهم، إلا فيما ندر.
ويحدد الدستور الإيراني مذهب الدولة بالشيعة الجعفرية الإمامية الاثني عشرية، ويخص منصب الولي الفقيه والقيادة العليا بأتباع هذا المذهب. وبالمثل، لا يتم التعامل مع الأكراد السنة والبلوش والأتراك كمواطنين لهم نفس الحقوق. ففي طهران، اليوم، لا يوجد جوامع سنية، وقد تم هدم آخرها العام الماضي، وهو مسجد صغير أقامته السفارة السعودية. وفي نفس الوقت، يسمح ببناء دور العبادة اليهودية والبوذية والمسيحية وعبدة النار، وممارسة أديانهم بحرية وتحت حماية الدستور، فيما رفض طلب أهل السنة للحصول على نفس الحقوق.
الأذربيجانيون من الشيعة أيضا، ولكن لأنهم من أصول تركية، فإن الحكومة الفارسية لا تمنحهم المواطنة الكاملة.
أما البلوش والأكراد فمشكلتهم أصعب، لأنهم لا فرس ولا شيعة. ونظرا للتمييز العنصري والديني ضدهم فقد قاوموا الاحتلال الفارسي لعقود، ولذلك تحرص إيران على مسح هويتهم وصهرهم بالقوة في الثقافة الفارسية.
كما عانى من القمع أيضا الجماعات السياسية والمدنية المعارضة، داخل وخارج البلاد، وتولى ذلك الحرس الثوري الذي تم تشكيله من مليشيات شعبية متطرفة، أشبه بـ»الحشد الشعبي» في العراق، و»قوات الدفاع الوطني» في سوريا، ولاؤها خالص للولي الفقيه وليس للحكومة.
والحرس الثوري هو من قمع الثورة الخضراء التي أعقبت تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009، وفيلق القدس التابع للحرس، والذي يقوده قاسم سليماني، هو المسئول بالتعاون مع الاستخبارات الإيرانية، عن عمليات الاغتيال للمعارضين، داخليا وخارجيا، والإرهاب لمن تعتبره الثورة عدوا لها، من الدول والجماعات والأفراد، وعن دعم الأنظمة والمليشيات العميلة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إيران تسير على خطى الاتحاد السوفيتي نحو التفكك والانهيار، إذ تهدر مقدرات شعبها على الإنفاق العسكري والمغامرات العسكرية. وحتى يتم ذلك، فعلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مسئولية التحقيق في جرائم إيران تجاه الأقليات والشعوب التي تحكمها، وعلى المحاكم والمنظمات الأممية العمل على إجبارها على وقف هذه الانتهاكات.