لبنى الخميس
يمشي وعلى جانب خصره حقيبة يحملها على وجه السرعة وهو متوجه لقاعة المحاضرات في إحدى جامعات ولاية فيلاديلفيا. يقتطع من وقته، ويُخرج هاتفه من حقيبته، ويضغط زر بدء التصوير في منصة التواصل «سناب شات»، ويبدأ بإلقاء درس صغير ذي معانٍ عميقة ورسائل مهمة. إنه طالب الدكتوراه السعودي محمد الحاجي، أحد أبرز نجوم سناب شات الذين اكتسبوا هذه النجومية، واستحقوا هذه المتابعة نظير الطرح البنّاء والمحتوى الهادف الذي يقدمه؛ فتجده تارة يتحدث لك كطالب دكتوراه في علم النفس السلوكي عن سيكولوجية الإقناع أو «الانحياز التأكيدي»، وتارة يقدم لك نصائح لمواجهة الإحباط، ووصايا للتخطيط والتغلب على مخاوفك وعدم الوقوع في فخ المقارنة.
محمد الحاجي يمثل اليوم جيلاً من الشباب السعودي المنفتح، الذي نجح بشكل نسبي في التخلص مع عقدة الفوقية بالجنسية والدين، وعاد من إحدى مراحل الابتعاث، ليس بلغة جديدة فحسب، بل بروح وفكر جديدَيْن. واضعاً كثيراً من المفاهيم التي لقن بها في المدرسة ومنابر الوعظ والوصاية فوق طاولة التشريح؛ ليبني فوقها خطاباً أكثر تسامحاً ووعياً، ويلقي عبر منصته الخاصة ولأول مرة أفكاراً، تشكلت في عقله نتيجة تجاربه وأسفاره وقراءاته، التي تجاوزت مساحة الجامعة والبيت، وتخطت تأثير استراحة الشباب وما تستجره في كثير من الأحيان من كسل فكري وجمود معرفي.
الحاجي ليس الوحيد؛ فهناك نخبة من الشباب السعودي الذين يطلون على متابعيهم كل يوم عبر هذا التطبيق الذي يأخذونه على محمل الجد، منهم من تخصص بالتسويق وشرح مبادئه ونظرياته وإسقاطها على أنماطنا الاستهلاكية، مثل هادي فقيهي وأحمد الردادي، ومنهم من قرر أن يوثق رحلاته وتجاربه في السفر والتعرف على الثقافات الأخرى، مثل الكاتب عبدلله الجمعة، ومنهم من آثر أن يجعل هذه المنصة فرصة لتثقيف الجمهور بمصادر قراءاته ومكامن شغفه، مثل تميم التميمي أو الكاتب سلطان الموسى واهتمامه بالأديان والحضارات، دون أن نغفل قائمة مشرفة من رواد الأعمال الذين اتخذوا من سناب شات مذكرة صورية، يوثقون بها تجاربهم ويومياتهم، مثل فارس التركي وفراس القاسم وأحمد الجبرين، وغيرهم الكثير.
لهؤلاء تأثير لا يستهان به على جيل سعودي، تؤكد الدراسات أنه يقضي من 6 إلى 8 ساعات يومياً على هاتفه الذكي، الذي يلخص أحداث حياته، ويمثل نقطة ارتكاز أساسية لتواصله مع العالم الكبير من حوله، في ظل ندرة وسائل الترفيه والمتعة في السعودية للرجال والنساء، وتلخيصها في «مول واستراحة» على أطراف المدينة.
تلك الكوكبة من الشخصيات التي لها شعبية واسعة تدرك جيداً أن القبول الذي حصلت عليه من الجماهير ليس سهلاً بل يفوق بمراحل المنصات الأخرى، مثل تويتر، الذي تخاطب فيه المتابعين بتغريدة لا تتجاوز الـ160 حرفاً.. أو انستغرام الذي ترفع فيه صورتك دون أن تشارك الجمهور أكثر من شكلك.. حتى جاء سناب شات فمزج التغريدة بالصورة، وجعلها متحركة ونابضة بالحياة.. تقدم فيها ذاتك في مقاطع أنت بها المذيع وكاتب المحتوى والمخرج ورئيس المحطة! ما يجعل شخصيتك هي المنتج الخاضع لمبدأ العرض والطلب، والمحتوى الذي تقدمه هو السلعة التي تحاول الترويج لها في سوق مزدحم بالغثّ والسمين.
هل سيغير سناب شات المجتمع السعودي؟ برأيي، نعم. لكن الأهم أن يكون هذا التغيير نحو الأفضل؛ لينقل شبابنا وبناتنا من غياهب وظلمات الرأي الواحد، وممانعة التغيير خوفاً من التغيير وما يجره من شرور ترسبت في لا وعيهم لفترة طويلة؛ ليفتح أمامهم صوراً وآفاقاً ملونة، ويقلص من حالة الإحباط والشعور بالفراغ واللاجدوى لدى كثير من طلاب الجامعات والخريجين، بمساندة شباب طموح ومثقف، يؤمن بقيم المعرفة وفضيلة الكفاح والعصامية.
هؤلاء باتوا يقدمون منتجاً جديداً وعصرياً قادراً على التأثير والتغيير؛ لصغر عمره وبساطة تجربته، وخروجه من بيئة تشبه المتابع ومحيطه الاجتماعي.
فلنحتفِ بهؤلاء وما يقدمونه من رسائل ذات قيمة؛ فقد مللنا من نجوم تتلخص إنجازاتهم بحجم «الماركات» التي يلبسونها، والسيارات التي يقودونها.. أو رواد ورائدات الأعمال الذين تدور مشاريعهم في فلك الماكياج و«الكب كيك» و«البرغر»!