عبدالحفيظ الشمري
أصبحت مهمة حفظ التراث هاجساً ثقافياً ومعرفياً للكثير من الدول والمجتمعات، لأن الرهان الحضاري المتبقي هو حفاظ هذه المجتمعات على ما لديها من ذخائر التراث، ومتعلقات الماضي، لكي يقدم للنشء، وللأجيال الواعدة بشكل مناسب وشيق، لعلهم يتفاعلون معه، ويستفيدون من تجاربه، ويكونوا أمناء في نقله إلى الأجيال الأخرى من بعدهم.
فالمُعَوَّلُ هنا - في أمر التراث - على الشباب أن يتفاعلوا مع هذا المنجز الإنساني والإرث الحضاري، والمحافظة عليه من خلال محاكاته وتمثله، وتصنيع مكوناته الجمالية ومشغولاته الدقيقة، من أجل الإسهام بالتعريف به كقيمة معنوية فائقة التكوين.
وبما أن الجيل الأول من هؤلاء الحرفيين أفل نجمهم، وغاب جلهم عن المشهد الحياتي، فإن الأهم هنا أن يكون الجيل الجديد من بعدهم قد أخذ زمام المبادرة في العمل على تواصل هذه المصنوعات والمنتجات، وتشرب العمل والمهارة في صنع التراث ومشغولاته من أبائهم.. فمن المهم أن لا يدير هؤلاء الشباب أكتافهم وبوصلة اهتمامهم عن هذه المهن التي هي مصدر فخر واعتزاز؛ لما فيها من قيم إنسانية، ولمسات جمالية خالدة.
فالحرفيين الشباب في هذه الأيام بحاجة إلى دوافع معنوية ومادية تجعلهم يواصلون مسيرة العطاء في صيانة التراث وتقديمه للمجتمع، فمن أبرز ملامح الدوافع المعنوية لهم أن يكون لديهم الاستعداد الفطري، والتقبل المنطقي لرسالة العمل المهني في مثل هذه الأشغال التي تعد حالة حضارية؛ تسهم في بناء ثقافة الأمة وموروثها، أما على الجانب المادي فإن هذه الأعمال والمهن التراثية تحتاج إلى مزيد من الدعم، ومد يد العون لهم من خلال برامج القروض والمساعدات التي تجعلهم يواصلون العمل في مجال الحرف الشعبية، لأن هناك من لا يستطيع تأمين متطلبات الإنتاج، وسد حاجة السوق التراثي من مثل هذه المنتجات الحرفية التي تحتاج إلى مزيد من الجهد والعناية.
أمر آخر مهم يتعلق بالحرفيين الحاليين وهم من كبار السن.. فهؤلاء يسعون إلى التمسك بما لديهم من قدرة ودربة على العمل إلا أنهم يُشِيِرُونَ دائماً ومن خلال المقابلات واللقاءات معهم إلى أن (جيل الشباب من أبناء الحرفيين) لا يلتفتون كثيراً إلى أمر إتقان هذه الأعمال والمهن المهمة في حياة مجتمعنا.. والسبب يعيده هؤلاء إلى غياب المتابعة من قبل الجهات التي يفترض فيها أن تواكب مرحلة التحول بين جيل وآخر في هذا المضمار التراثي.
فجيل اليوم تقع عليه مهمتان؛ هما: حفظ هذا التراث والإسهام في بقائه أمام المجتمع، والتعامل معه كمنجز إنساني يخلد مسيرة الآباء والأجداد الذين برعوا بصدق في تقديم ما لديهم من مكونات وأعمال ومشغولات بشكل جميل ومعبر؛ يتجاوز فكرة أن يكون هذا المنتج لمجرد الضرورة من أواني للمأكل أو المشرب أو أردية للملبس، أو مظهر للبناء، إنما هي مشغولات جميلة؛ تزهو فيها الزخارف والألوان.
فمن أجل المحافظة على هذا التراث الحضاري فإن دعم هذا الجيل من الحرفيين الشباب ضرورة مهمة، على نحو قيام (جمعية الحرفيين الشباب) إضافة تقديم العون لهم، كأن يعقد لهم المزيد من الدورات التدريبية، وورش العمل الميداني؛ من أجل تحقيق الإنجازات الجمالية لهذه المشغولات والأعمال الحرفية الجميلة.