لبنى الخميس
تعاني الصورة الذهنية المغلوطة في أذهان العالم تجاه السعودية من إشكاليات رئيسية تتمحور في 3 أمور:
1- المملكة بلد يصدر التطرف الديني، ومنتجة الأكثر بشاعة وهو «الإرهاب», حيث تنامت هذه الصورة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كان أكثر منفذيها يحملون الجنسية السعودية -إن صحت الرواية الإعلامية للحدث- كما أن المطلوب رقم واحد لدى المخابرات الأمريكية كان أسامة ابن لادن الذي يعرف عالمياً بأنه سعودي حتى بعد أن سُحبت الجنسية منه، فارتبط اسم السعودية مع الأسف بالإرهاب، وعانى السعوديون الذين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة إبان الأحداث الأمرّين، من بشاعة الصورة التي ألصقت ببلادهم، وعاد بعضهم غير قادر على تجاوز هذا التضييق والتمييز العنصري ضده.
2- المرأة في السعودية مسلوبة الحقوق، وتعامل كمواطنة درجة ثانية، متصدرة قضية حظر قيادة المرأة السعودية عن القيادة المشهد.. كملف يتمتع بكثير من الغرابة واللامنطقية كونه حق بديهي ومكتسب في جميع دول العالم. فعلى الرغم من أن كثيراً من السعوديين، يؤكدون بأن قضية المرأة على سبيل المثال، ليست أكبر اهتماماتنا، إلا أن هذه القضية شكلت دعاية مجانية عبر السنوات لتشويه صورة المملكة، وكرست للصورة النمطية بأن المرأة السعودية مضطهدة.. ما يجعل ردة فعل العالم تجاه لقاء فتاة سعودية منفتحة ومثقفة يتخلص في الجملة الآتية: لم نصدق أنك سعودية!!
3- السعوديون يسبحون فوق بحيرات النفط، ما يجعلهم أغنى شعوب العالم. هذه السمعة كلفت السعوديين الكثير، وجعلتهم يتعرضون لأشكال وألوان متعددة من النصب والاحتيال، على افتراض بأن كل فرد سعودي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وتتصاعد ثروته كل لحظة على ضوء ارتفاع «برميل البترول» أو انخفاضه، ما يجعل السعودي مضطر مراراً وتكراراً لتفنيد هذه الصورة التي كوّنها الإعلام العالمي.
وأمام هذا الواقع.. تنامت الحاجة إلى خطاب سعودي واعي ورزين، يدرك طبيعة الإعلام الذي يتحدث عنه، ونوعية الجمهور الذي يستقبل أخباره، ليفند هذه الإدعاءات ويقدم صورة أكثر تسامحاً ووعياً عن المجتمع السعودي الرافض حكوماً وشعباً لفكر الإرهاب، وكما أن المرأة السعودية مسلوبة الحقوق أحياناً، إلا أنها تشق طريقها بعزيمة لانتزاعها عبر عدة منصات وقنوات مدنية تستمع لها وتثمن رأيها مثل مجلس الشورى ومجالس الغرف التجارية وأخيراً المجالس البلدية.
وهذه ما فعله مجموعة طلاب في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كمشروع دراسي لمادة التسويق الدولي، إذ أطلقوا حملة رزينة الخطاب، واعية المحتوى بعنوان «امتلك عقلك» تخاطب المجتمع الدولي عبر عدة وسائل أهمها فيديو تناول فكرة محاورة شخصيات أجنبية حملت صورة ذهنية معينة قبل زيارة المملكة وتبدلت هذه الصورة بعد زيارتهم لها بل وإقامتهم فيها. حيث تحدثت الشخصيات بجرأة عن الأمور الثلاثة المطروحة في بداية المقال «الإرهاب، اظطهاد المرأة، والثراء», مؤكدين بأن هذه النظرة كبرت وتبلورت جراء تكدس المحتوى السلبي عن المملكة في رفوف العقل الجمعي الغربي بمباركة الإعلام. لكن صورة المملكة الحقيقية بدأت تتكشف تدريجياً بعد إقامتهم فيها، فرأوا في رجالها قيم «الفزعة» والمروءة والشهامة، في نسائها القوة والإرادة والذكاء وفي عائلاتها الترابط الأسري الحميم، بالإضافة إلى حسهم العالي في الفكاهة. دون أن يغفوا وجود عيوب في المجتمع كتهور البعض في القيادة أو عدم الالتزام في المواعيد.
فكرة الفيديو بسيطة وغير معقدة، تخاطب القريب والبعيد، المعتدل والعنصري، أستاذ الجامعة وسائق التاكسي، وهذا برأيي سر نجاح الحملة بشعارها الجميل «امتلك عقلك» أي لا تخضع لظلام التعميم والتقليد الساذج، وانتزع شرف صنع رأيك الخاص بنفسك دون أن تتأثر بزعيق الإعلام وغضب الحاقدين.
لطالما آمنت بأن الوقوف للتفرج على ما يحدث، والمشاركة في «اللطم والندب» على ما آلت له سمعتنا اليوم، لن يغير الواقع بل سيزيد الصورة سوءاً ويحول الفكرة إلى أيديولوجيا.. هذا ما أدركته الولايات المتحدة بعد تدهور مكانتها وتشوه صورتها لدى العالم، فحركت أسطولها الإعلامي والسينمائي، وأفردت قسماً في وزارتها الخارجية لمتابعة مؤشر قبولها العالمي كقوة عظمى.. ورسمت الخطط وأعادت ترتيب الأوراق، ليقينها أن «قوتها الناعمة»، لا تقل شأناً عن قوتها العسكرية، فشكراً لطلاب جامعة البترول على هذا العمل النبيل والمتقن، فهذا هو الجهاد والنضال الحقيقي الذي نحتاجه لبناء مستقبل أفضل لوطننا.