د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
بهذا الاسم المركب يعرف أستاذنا النحوي الذي حفظ القرآن الكريم في المنوفية التي ولد فيها عام 1941م، ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر ثم دار العلوم التي تخرج فيها وعمل، تسمعه يتحدث بأفصح لسان، فليس ينطق الذال زايًا كما تسمعها من غيره من أساتذة الأدب كطه حسين أو أساتذة اللغة مثل أحمد مختار عمر وكمال بشر، ومثله في هذا عبدالصبور شاهين رحمهم الله جميعًا، ولست أنسى كيف تقدم إلى أستاذنا كمال بشر بعد أن أنهى محاضرته في رابطة الأدباء في الكويت تقدم إليه مرحبًا ومسلمًا ومداعبًا بقوله كيف تنطق الذال زايًا في هذه البلاد.
عرفت محمد حماسة عبداللطيف في الكويت سنة 1983م، عرفته في قسم اللغة العربية في جامعة الكويت حين صحبت زوجتي أم أوس، وصادف أن الشقة التي جعلتها الجامعة سكنًا لأسرتنا إلى جوار شقة محمد حماسة وأسرته فكان تعارفٌ عائلي مبارك، وأذكر أنّ مسألة استعصى عليّ فهمها فاستأذنته بالزيارة ليشرحها لي؛ ولكنه بكرم بالغ جاء هو إليّ، وجلسنا وقرأنا ما شاء الله لنا أن نقرأ، أنسيت المسألة ولا أدري أحلت أم بقيت كمسائل نحوية غامضة تنتظر من يكشف عنها ويجلي غوامضها.
وعاد أستاذنا إلى القاهرة فكنت كلما زرت القاهرة أحرص على المرور على دار العلوم لزيارته وللسلام على أستاذنا الدكتور عبدالصبور شاهين أيضًا، وكنت من حين إلى آخر أهاتفه وأطمئن إلى أخباره. حدثني وأنا في مكتبه في دار العلوم عن دراسته وبدايات اشتغاله بالشعر وكيف أنه كون مع زميلين رابطة الفرسان الثلاثة فقد كانوا شعراء محمد حماسة عبداللطيف وأحمد درويش، وحامد طاهر. وكان في دار العلوم قسمان أحدهما للنحو التقليدي وآخر لعلوم اللغة الحديثة، وكان عبدالصبور شاهين يعلم الطلاب علوم اللغة الحديثة من أصوات ونحوها وفي المقابل كان حماسة يعلم النحو التقليدي، فكان إذا فتل عبدالصبور أمرًا نقضه حماسة؛ حتى جاء إليه يقول مداعبًا «أيه يا حماسة إحنا هنأطع على بعض».
عالجت كتب هذا النحوي المبدع قضايا مهمة جدًّا في الدرس النحويّ حتى صارت من مراجع البحوث الجامعية، منها (الضرورة الشعرية في النحو العربي. الناشر: مكتبة دار العلوم 1979م القاهرة). و(العلامة الإعرابية في الجملة بين القديم والحديث. الناشر: جامعة الكويت 1984م). و(في بناء الجملة العربية. الناشر: دار القلم بالكويت 1982م.)، (التوابع في الجملة العربية. الناشر: مكتبة الزهراء بالقاهرة 1987م.)، و(ظاهرة الإعلال والإبدال في العربية. مكتبة الثقافة بالقاهرة 1995م.)، و(التحليل الصرفي للفعل في العربية. مكتبة دار العلوم بالقاهرة 1995م.)، و(التحليل الصرفي للأسماء في العربية. مكتبة الزهراء بالقاهرة 1995م.).
لم يكن محمد حماسة نحويًّا تقليديًّا بل استطاع أن يستوعب علوم اللغة الحديثة وأفاد منها فائدة فاقت بعض من تخصصوا بها بما استطاعه من مزاوجة بين القديم والحديث، ظهر ذلك جليًّا في كتابه (النحو والدلالة مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي. الناشر: مكتبة ومطبعة المدينة – القاهرة 1983م). وهذا كتاب كلفت أنا وأم أوس طلابنا وطالباتنا قراءته غير مرة، وكتب عنه مراجعة وعرضًا أ.د. يحيى أحمد، أستاذ علوم اللغة في جامعة الكويت كتابة علمية رائعة كشفت عن مدى توفيق مؤلفه في استيعاب مفاهيم علم اللغة الحديث، و»أن المؤلف نجح بما لا يدع مجالًا للشك في لفت أنظارنا إلى العناصر التي تشكل المعنى النحوي»، (المجلة العربية للعلوم الإنسانية، ع13، مج4، شتاء 1984م، ص 180- 190)، وأذكر أنني هاتفت محمد حماسة أهنئه على هذه القراءة الرائعة فألفيته غاضبًا؛ فلعله أبلغ بأنّ هذا الأستاذ كتب عنه ولم ينقل إليه فحوى ما كتب، قال لي كنت أهم أنّ أكتب ردًّا عليه، وحمد الله أني اتصلت به ووقفته على جلية الأمر، وأخبرني بعدُ يحيى أحمد بأن حماسة سرّ بكتابته. ومنها (من الأنماط التحويلية في النحو العربي. الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة 1990م) وفيه يبسط مسألة التقاء النحو العربي بالتقدير والتأويل والفرعية والأصلية والذكر والحذف بما يعتمده النحو التحويلي من القول ببنيتين للجملة باطنة وظاهرة وما فيه من آليات تتحول بها الجملة من شكل إلى آخر.
وكان لميله الأدبي والشعري أثره في البحث، فسخر معارفه اللغوية في الدرس الأدبي، واتخذ من الأدب ميدانًا لدرسه، فكان من ذلك عدد من الكتب القيمة (الجملة في الشعر العربي. الناشر: مكتبة الخانجي 1989 القاهرة)، وفيه خالف عبدالقاهر الجرجاني المنكر أن لتقديم الألفاظ في الشعر غرضًا؛ لأن الشاعر محكوم بالوزن والقافية، وذهب حماسة إلى أن الشاعر المبدع يجمع بين الوفاء بمقتضى البناء الشعري والغرض البياني من التقديم. و(ظواهر نحوية في الشعر الحر: دراسة نصية في شعر صلاح عبد الصبور. الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة 1990م) ويبين فيه أن من هذا الشعر الحر ما هو عمود ي في بنيته؛ ولكنه حرّ في توزيع أجزائه على أسطر متوالية. و(اللغة وبناء الشعر. الناشر: مكتبة الزهراء بالقاهرة 1992م). و(البناء العروضي للقصيدة العربية. الناشر: دار الشروق بالقاهرة 2000م). و(القافية في الشعر العربي. الناشر: مكتبة الثقافة بالقاهرة 1996م). و(الإبداع الموازي. التحليل النَّصي للشعر، دار غريب 2001م.)، (كيف نقرأ النص التراثي؟ وبيان أثر العروض في ضبطه وتحقيقه: مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع 2009م.
وكنت أوصيت أن يدرس كتابه (النحو الأساسيّ. الناشر: ذات السلاسل بالكويت 1984م دار الفكر العربي بالقاهرة 1987م.) في كلية اللغات والترجمة-جامعة الملك سعود فصار من أكثر كتبه انتشارًا وأعيد نشره غير مرّة، وهو كتاب شاركه في كتابته أحمد مختار عمر ومصطفى النحاس زهران رحمهم الله جميعًا.
وأستاذنا شاعر، والى كتابته الشعر حتى توفي، وكنت تشرفت بتلقي قصيدة منه خاصة بشخصي المتواضع. ومن أعماله الشعرية (ثلاثة ألحان مصرية (بالاشتراك)، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1970م.)، و(نافذة في جدار الصمت (بالاشتراك)، مكتبة الشباب 1975م.) و(حوار مع النيل، دار غريب 2000م.)، و(سنابل العمر. دار غريب 2005م.).
وكتب بحوثًا علمية منشورة في الدوريات العلمية، وأما نشاطه في المجمع فهو مشهور، وكان سببًا لفصله من الجامعة فصلًا تعسفيًّا.
رحم الله أستاذنا صديقنا أ.د. محمد حماسة عبداللطيف رفاعي الذي توفي يوم الخميس 20 ربيع الأول 1437ه الموافق آخر يوم من سنة 2015م.