د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
حمل صديقي الصك، أقصد (الشيك) ليودعه في المصرف، أقصد البنك، وبعد أن ملأ نموذج الإيداع وانتظر ما شاء الله له أن ينتظر تقدم إلى موظف المصرف للإيداع، أخذ الموظف الشيك وقرأه غير مرة ثم رفع رأسه إلى صديقي قائلًا: من كتب هذا الشيك محتال، ولابد أن أبلّغ الآن عنه (سمة).
وسمة هذه هي (الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية) وحين تُبلّغ يوضع اسم الشخص بالقائمة السوداء، حاول صديقي جاهدًا أن يثني موظف البنك عن عزمه وبيّن له أن صاحب الشيك صديق عزيز ربما يخطئ؛ ولكنه لا يمكن أن يحتال.
ولكن ما الخطأ؟
الخطأ هو أن كاتب الشيك نحويّ يتوخى أصح الأساليب العربية، ويظن أن السلامة اللغوية محترمة في بلاده مهبط الوحي ومنطلق العربية، كاتب الشيك التزم بطريقة العرب في كتابة الأرقام، ولكن موظف البنك لا يعلم ذلك، والصواب عنده ما تعوّد عليه هو وأمثاله، وأما من يخالف طريقته فمحتال لا محالة.
فما الرقم المقصود؟ الرقم هو (210000) ريال، فكيف كتب النحوي هذا الرقم؟ هكذا كتب كما جاء في الشيك:
«ادفعوا بموجب هذا الشيك لأمر ... مبلغ عشرة آلاف ومئتي ألف ريال».
أعاد صديقي الشيك إلى كاتبه وأخبره بما حصل وبدفاعه عنه وإنقاذه من سمة، أما كاتب الشيك فانطلق إلى البنك وتقدم إلى موظف وسأله عن الشيك: هل فيه مشكلة؟ قرأ الموظف الشيك وقال: لماذا قلب الكتابة، أي لم قرأ الرقم من اليمين إلى اليسار ولم يقرأ من اليسار إلى اليمين. قال له كاتب الشيك: هذه طريقة عربية صحيحة، فالعرب يقرأون ويكتبون من اليمين إلى الشمال، والمهم أريد شيكًا مصرفيًّا يكون البنك هو المسؤول عنه أمام سمة. مضى لملء بيانات النموذج وترك كتابة الرقم للموظف ليكتبها بالطريقة التي يريد. وهكذا جاءت قراءة الرقم في الشيك المصرفي:
«إدفعوا بموجب هذا الشيك لأمر ... مبلغ وقدره مائتان وعشرة الاف فقط *** ريال س»
ونلاحظ أن همزة الوصل في فعل الأمر (ادفعوا) جعلت همزة قطع، والمفعول به (مبلغ) أهمل نصبه، و(الاف) هكذا من غير مدّ، وترى كيف فصل بين العدد والمعدود بكلمة (فقط) وبالنجوم.
ذكرني هذا الموقف بحادثة أخرى، فحين كنت طالبًا كنت أستغل الصيف بالعمل، وفي صيف عملت في البنك الزراعي، وكانت مهمتي إعداد اتفاقية بين البنك والمزارع تتضمن المفردات التي يدفعها البنك للمزارع، وتصلني من موظف قائمة مكتوبة تتضمن هذه المفردات، وجاء فيها يوما «برميلان زيت»، فصححتها وأعدتها إليه ليعيد كتابتها صحيحة «برميلا زيت»؛ لأن النون تسقط للإضافة، وكنت كثيرًا ما أتتبع هذا الموظف وأتعقبه حتى نقم عليّ فذهب يشتكي عند المدير، فشطب المدير على ما كتبت وكتب «برميلين زيت» فرجعنا بخطأين.
وأما طريقة العرب الصحيحة في كتابة الأرقام فقررها أستاذ الأجيال سعيد الأفغاني رحمه الله رحمة واسعة في كتابه المشهور المتداول (الموجز في قواعد اللغة العربية) ص 306، قال:
«هذا ويختار قراءة الأَعداد ابتداءً من المرتبة الصغرى فصاعداً، فتقرأ العدد «1945» قائلاً: كان الجلاءُ سنة خمس وأَربعين وتسعمئة وأَلف».
ومن استعمال هذه الطريقة، هذا النص:
«ابن كَيْسَانَ، وَيُكَنَّى أَبَا نُعَيْم مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ» ابن سعد، الطبقات الكبرى 1: 310. والنص: «مُحَمد بْن عُثمان بْن خَالِد، أَبو مَروان، العُثمانِيُّ، القُرَشِيُّ.سَكَنَ مَكَّة. تُوفي سَنَة إحدى وأربعين ومئتين». البخاري، التاريخ الكبير، 1: 181.
ومن أجل ذلك احذروا السلامة اللغوية إن كنتم تريدون الحذر من سمة، ونصيحتي أن تكفوا عن كتابة الشيكات وامضوا إلى البنك ليحرر لكم شيكاته المصرفية بما فيها من أخطاء ولكنكم تأمنون، والله المستعان، اللهم الطف بهذه اللغة واحمها من أهلها وقيض لها من يذود عنها وينتصر لها.